مُنَح الصلح.. سليل عائلة عروبية

مُنَح الصلح.. سليل عائلة عروبية

26 أكتوبر 2014

منح الصلح (1928 - 2014)

+ الخط -

رحل، قبل أيام، عن دنيانا، أحد أبرز المفكرين اللبنانيين العروبيين، منح الصلح (1928- 2014)، عن عمر يناهز السادسة والثمانين. وكان من أبرز دعاة القومية العربية في مضامينها السياسية المستندة إلى الاستقلالية والنهضوية والديمقراطية. عرفته منذ زمن بعيد، وتوثقت عرى العلاقة معه لصداقة ربطت بين عمه، كاظم الصلح، وأبي رحمهما الله. وأكتب، اليوم، عن منح، وفاء لمحبته لي، وتشجيعه إياي منذ صباي وبواكير شبابي في بيروت، بحكم تلك العلاقة القديمة. ولقد أسفتُ جداً، في آخر زيارة لي إلى بيروت قبل أشهر، إذ لم يسعفني الوقت لزيارته والسلام عليه، وكنت أسأل عنه دوماً الصديق رغيد الصلح، وعن صحته وراحته.

أتوقف قليلاً عند الرجل وتاريخ أسرته، التي تميزت، منذ قرنين، بشخصياتها النخبوية والنهضوية، فالفقيد منح بيك (الثاني) أحد أبناء عادل الصلح، الذي آمن بلبنان وطناً حقيقياً ونهائياً لأبنائه، وكان من رافضي فكرة الوحدتين، السورية بالقوة، أو العربية بالإكراه. أسس حزب "النداء" القومي وصحيفة "النداء". وعمل نائباً ووزيراً وسفيراً. وقد سمّى نجله منح، على اسم أبيه، منح الأول. لقد آمن منح بالعروبة إيمانا راسخاً، ورأى فيها، كما في تآليفه ومحاضراته، مهمة إنسانية ونزعة حضارية مسالمة غير متوحشة ولا فتاكة ولا شوفينية، وغدا أمين عام "دار الندوة" في بيروت، والتي بقيت سنوات ملتزمةً بمبادئ العروبة، في ندواتها وما دار فيها من أفكار ورؤى ومحاضرات. ونال الراحل أوسمةً وجوائز، واختير رئيساً للمركز الثقافي الإسلامي سابقاً. وكان جليس حوار، وصاحب نكتة، وسريع البديهة، ومختصراً للكلام لما يفيد وينفع.

انتمى إلى أسرة معروفة منذ القرن الثامن عشر، ونال أبناؤها وظائف عثمانية مهمة، في صيدا، وكانت كنية "الصلح" مأخوذة عن السلحدار (أمين دائرة الأسلحة)، إذ نصّب الجد الأعلى لهم آغا لحامية صيدا منذ عام 1660، واشتهر أبناؤه وأحفاده، منذ ثلاثة قرون في شتى المجالات. سكن آل السلح زاده في صيدا (الصلح لاحقاً)، وبيتهم قرب حرم القلعة وسط المدينة، ثم انتقل بعض الأبناء إلى بيروت إثر توطّن أحمد باشا الصلح فيها مع أسرته. أكد لي أستاذي، المؤرخ الراحل، ألبرت حوراني، في جامعة أكسفورد عام 1977 أن آل الصلح من أعيان العثمانيين. ولكن، عندما سألت الأستاذ منح عن أصل آل الصلح، قال: يظن بعضهم أن أسرتنا من أصل تركي، لكنها، في الأصل، من قبائل اليمن المعروفة، وقد وصلت إلى ربوع لبنان، إثر الفتح العربي الإسلامي، واستوطنته منذ قرون. 

توارث آل الصلح منصب آغا قلعة صيدا منذ القرن السابع عشر، وبرز منهم، في القرن التاسع عشر، أحمد أفندي (باشا) الصلح (ت 1893)، وتملك بيتاً في محلة الروشة، ثم انتقل قرب ميناء الحصن (تجاه فندق سانت جورج اليوم). بدأ أحمد باشا الصلح حياته العملية ترجماناً لوالي صيدا، محمد باشا، ثم ارتقى ليغدو متصرفاً لدى العثمانيين. وغدا له نفوذه الواسع، وكان لقبه "أحمد صلح زاده". وقد أقام معه نجله الشهير، رضا بك، وبرز، لاحقاً، كل من حفيده، الرئيس رياض الصلح، وسامي بك الصلح، والرئيس رشيد بك الصلح.

وبرز أيضا عثمانياً أيضاً، محمد أفندي الصلح، قاضي قضاة صيدا. كما برز أبناؤه: كامل الصلح (ت 1917)، وله دوره السياسي في الحركة الإصلاحية عام 1913، وكان رئيساً لمحكمة استئناف دمشق، وابنه الثاني منح بيك (الأول) (ت1921) وعرف بدوره السياسي والإداري والتربوي، وخصوصاً في تأسيسه جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، وابنه الثالث، رضا بك الصلح (1860-1935) الذي قام بدور سياسي مؤثر في العهدين العثماني والفرنسي، واختير  نائباً في "مجلس المبعوثان العثماني"، عن ولاية بيروت الجنوبية 1909- 1913، وتولى متصرفيات عديدة بين أعوام 1919-1920، وكان عضواً في المؤتمر السوري العام، كما أصبح وزيراً للداخلية في الحكومة الفيصلية في دمشق عام 1918. ويعتبر رضا الصلح أول نائب عربي نبّه إلى الخطر الصهيوني على فلسطين، ومدى أخطار الهجرة اليهودية إليها منذ العهد العثماني. ثم برز ابن رضا بك الصلح، رياض بك الصلح (1893-1951) الذي نفاه الوالي جمال باشا (السفاح) مع والده، لاشتغالهما ضد عنصرية الاتحاديين. كما اضطهد رياض زمن الانتداب الفرنسي، لمشاركته في المعارضة ومؤتمراتها واهتمامه بقضية فلسطين.

وهناك عبد الرحيم بك الصلح، ونجله، سامي بك الصلح (1887-1968) القاضي والسياسي الشهير في تاريخ لبنان، والذي غدا نائباً ثم رئيساً لوزراء لبنان في 1943 مرات عدة حتى 1958، وعمل نائباً 1964-1968. وبرز ولده السفير، عبد الرحمن الصلح. وهناك عفيف الصلح عضو المؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق عام 1920، وعادل منح الصلح، رئيس مجلس بلدية بيروت ورئيس حزب الاستقلال الجمهوري (وهو والد الفقيد، منح بيك الصلح الثاني). كما برز كاظم منح الصلح (1909-1976) أحد واضعي الميثاق الوطني مع رياض الصلح، وكان من أبرز المعترضين على قرارات "مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة" 1936. وكان الرجل من أمهر الدبلوماسيين اللبنانيين، إذ قضى سنوات سفيراً في العراق الملكي، للفترة 1947- 1959، وقد عشق العراق وأهله، وتوثقت عرى صداقاته مع أبرز الأعيان والمثقفين العراقيين. وهناك رئيس الوزراء، رشيد بيك الصلح ونائب بيروت ووزير، مرات عدة. وبرز رئيس الوزراء تقي الدين الصلح. وبذلك تكون أسرة الصلح الوحيدة، التي تبوأ أربعة من رجالاتها منصب رئيس وزراء لبنان، وهم: سامي ورياض ورشيد وتقي الدين.

ومن نسوتها الفاضلات، برزت ليلى رياض الصلح وزيرة الصناعة سابقا 2004-2005 وشقيقاتها لمياء ومنى وعلياء، وكل من السيدتين منيرة وفريدة، كما برزت سناء الصلح رئيسة مؤسسة الأمل للمعاقين. وبرز عماد الصلح صاحب كتاب "أحمد فارس الشدياق". والشيخ سعد الدين مفتي صيدا السابق، وعُرف أيضا كل من الشخصيات: وحيد ورغيد وأحمد وأمين، وسميح الصلح مدير عام وزارة الداخلية سابقاً، ونجله مصطفى سميح الصلح، قنصل لبنان الفخري في إمارة موناكو، ورئيس جمعية قناصل البلاد الأجنبية الرسميين في موناكو (2009-2014)، وهلال الصلح الأستاذ الجامعي، وسواهم كثيرون.

إذ أكتب عن الأستاذ الراحل، منح بيك الصلح، فلقد حرصت أن أستذكر جذوره وانتماءه إلى هذه النخبة الكريمة من آل الصلح في لبنان، ودورهم في التاريخ الحديث والمعاصر، واهتمام العديد من رجالهم ونسوتهم برقي لبنان أولاً، وعنايتهم بشؤوننا العربية وقضايانا العربية ثانياً.