انقلابيو مصر وشدّ أطراف السودان

انقلابيو مصر وشدّ أطراف السودان

25 أكتوبر 2014

عمر البشير وعبد الفتاح السيسي في القاهرة (18أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

عندما نتحدث عن سياسة شدّ الأطراف، يكون المقصود بها، في أحد جوانبها، إثارة الأزمات، أو خلقها حول الطرف المستهدف، لإجباره على الخضوع، أو تغيير سياساته وتوجهاته. وإذا كان السودان، كدولة له أربعة أطراف، ترتبط بحدوده الجغرافية (الشرق والغرب والشمال والجنوب) فإن هناك "سياسة شدّ أطراف"، مارسها الانقلاب العسكري في مصر، ومن يقف خلفه من قوى دولية وإقليمية في مواجهة السودان، والتي دفعت الرئيس السوداني، عمر البشير، إلى زيارة مصر (19 و20 أكتوبر/تشرين الأول 2014) وإجرائه لقاءات مع قائد الانقلاب وحكومته، ومع شخصيات سياسية مصرية، على الرغم من الحملات الإعلامية الضارية والتشويه المتعمّد للبشير ونظامه، قبل زيارته وفي أثنائها. ثم خروج البشير (بعد انتهاء الزيارة، وهو الذي هدد وتوعد قبلها) مُعرباً عن شكره قائد الانقلاب على حسن الاستقبال والضيافة، مؤكداً قوة العلاقات بين البلدين ومتانتها، مُشيدًا بدور مصر الفاعل في القضايا العربية والأفريقية، خصوصاً تجاه السودان، مؤكداً حرص بلاده على عدم المساس بأمن مصر ومصالحها.

جاءت سياسة "شدّ الأطراف" التي تمت ممارستها ضد نظام السودان، عبر عدة مستويات أساسية، أولاً من الشرق: وتمثلت أبرز ملامح هذا المستوى في تعليق السعودية والإمارات المساعدات والاستثمارات والتحويلات، من ناحية، وإثارة وسائل الإعلام المدعومة من الدولتين قضية العلاقات السودانية الإيرانية، وتصوير السودان على أنه القاعدة الجديدة لنشر التشيع في القارة الأفريقية، كورقة ضغط في مواجهة حكومة الخرطوم، أجبرتها، في النهاية، على إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان.

وثانياً، شدّ الأطراف من الغرب: وتمثلت أبرز ملامح هذا المستوى في تقديم سلطة الانقلاب العسكري في مصر الدعمَ السياسي والمالي والعسكري للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، قائد ما يسمى عملية الكرامة في الشرق الليبي، والذي يسعى إلى استنساخ نموذج عبد الفتاح السيسي في ليبيا، والمعروف بعدائه السودان، والعمل على أن يكون حجر عثرة في مواجهة نجاحات عملية ثوار بنغازي وفجر ليبيا التي تشير تقارير إلى وجود علاقات سودانية معها. ومن ناحية ثانية، كانت أول زيارة خارجية لرئيس حكومة الانقلاب في مصر، إبراهيم محلب، بعد مسرحية الانتخابات الرئاسية في مصر، إلى دولة تشاد، والتي تملك سجلاً حافلاً من العداء للسودان، وتقديمها كل صور الدعم لدولة جنوب السودان، قبل الاستقلال وبعده، بل إنها تمثل إحدى أدوات الدعم المباشر للحركات والقوى المعارضة في دارفور السودانية. وتسعى سلطة الانقلاب في مصر إلى استخدام تشاد، كذلك، في ممارسة سياسة خنق التيارات السياسية، ذات المرجعية الإسلامية، في ليبيا والسودان، ووقف كل أشكال الدعم التي يمكن أن تصل إلى ثوار ليبيا في مواجهتم مع حفتر.

ثالثاً، شدّ الأطراف من الشمال: يرتبط السودان بحدود ممتدة مع مصر من الشمال (1273 كم). ولكن، دائما ما تثير هذه الحدود قضية حلايب وشلاتين المتنازع عليهما بين الدولتين، والتي تنظمها اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بينهما (كانت تحت السيطرة البريطانية) عام 1899، ثم باتفاقية إدارية بين وزارتي الداخلية في الدولتين عام 1902، ومع مرور أكثر من 55 عاماً من استقلال السودان عن مصر عام 1956، إلا أن القضية لم تتم تسويتها، وكانت مثاراً لتوترات متجددة، مع وجود خلافات سياسية بين النظامين السياسيين. وفي كل مرة تتم إثارتها من مصر، يكون الهدف الضغط على النظام السوداني في ملف آخر. ومن ناحية ثانية، تمثل مصر، منذ التسعينيات، المقر الدائم لحركات المعارضة السودانية، والحاضنة لعديد من فصائلها وتياراتها وفعالياتها، ويتم استخدامها كذلك ورقة ضغط ضد النظام السوداني. ومن ناحية ثالثة، جاءت الحملة الإعلامية الممنهجة التي مارستها وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب العسكري في مصر، المصرية والخليجية، ضد نظام البشير، بدعوى أنه حاضن لجماعة الإخوان المسلمين وداعم لها، وأن السودان كان معبراً لمنتمين عديدين للجماعة للخروج من مصر في أعقاب مجزرتي ميداني رابعة العدوية والنهضة التي قامت بها قوات الجيش في مصر في 14 أغسطس/آب 2013.

رابعاً، شدّ الأطراف من الجنوب: وتمثلت أبرز ملامح هذا المستوى فيما تناقلته تقارير إعلامية عديدة عن تعاون سلطة الانقلاب في مصر مع حكومة دولة جنوب السودان، لتشديد الضغط على الحكومة السودانية، ولتحميل الخرطوم مسؤولية فشل سلطة الانقلاب في إدارة قضية سد النهضة الإثيوبي، وخصوصاً مع المواقف الصريحة والواضحة من الحكومة السودانية عن أهمية السد بالنسبة للسودان، وأنه يعادل في أهميته أهمية السد العالي لمصر.

هكذا شدوا أطراف السودان فكانت النتيجة زيارة قائد انقلاب مصر السودان (27 يونيو/حزيران 2014) وزيارة قائد انقلاب السودان مصر (19 أكتوبر/تشرين الأول 2014)، وهدفهما المشترك الاستمرار في السلطة، ولو على حساب الأمن القومي للدولتين.

جاء البشير إلى السلطة في بلاده بانقلاب عسكري عام 1989، ويحكم منذ أكثر من ربع قرن، وخلال عهده، تم تقسيم السودان إلى دولتين (شمال وجنوب). المهم أن يستمر في السلطة، ولو أصبح السودان عشر دويلات؟ وكيف يستمر في السلطة، وهو مطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

A57B9A07-71B2-477E-9F21-8A109AA3A73D
عصام عبد الشافي

باحث وأكاديمي مصري، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، يعمل أستاذاً للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة رشد التركية، من مؤلفاته: البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية (2013)، السياسة الأمريكية والثورة المصرية (2014).