في أزمة دستورية مجلس النواب الليبي

في أزمة دستورية مجلس النواب الليبي

23 أكتوبر 2014

مبنى المحكمة العليا الليبية في طرابلس (20 أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

يشكل تأجيل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الليبية عاملاً جديداً في تعقيد الأزمة السياسية في ليبيا، فإلى جانب اندلاع الحرب والاشتباكات، يشكل غياب الحسم في المسائل الدستورية عاملاً إضافياً يعزز عدم الاستقرار السياسي. فقد أعلنت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الليبية عن تأجيل النطق بالحكم في قضية متعلقة بدستورية انعقاد مجلس النواب في طبرق إلى 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وهو تأجيل يأتي بعد بدء جلسات الدائرة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 بالنظر في الدعاوى المقدمة من النواب المقاطعين جلسات البرلمان.

وعلى الرغم من تقديم هذه الدعاوى في أغسطس/ آب، لم تحدد الدائرة الدستورية موعداً للنظر في القضية، حتى نهاية سبتمبر/ أيلول، في حين أن مجلس النواب (طبرق) يصدر قرارات وقوانين كثيرة، تعيد هيكلة مؤسسات الدولة، وجعلته طرفاً أصيلاً في الصراع السياسي، ما كان يتطلّب سرعة الحسم في دستورية انعقاده، وتسوية النزاع حول إعادة تشكيله، وفق مقتضيات الإعلان الدستوري.

وإذا ما صحّت المعلومات الأولية عن أسباب تأجيل النطق بالحكم، فإن صدور الحكم، أيّاً كانت صيغته، سوف يكون مبعثاً للصراع والخلاف حول حجّيته، حيث تشير المعلومات إلى استناده على طلب دفاع نواب "طبرق" بالتأجيل، لإعطاء فرصة للحوار السياسي، وهي معايير تقترب من المواءمة السياسية، وتفتقر الأساس القانوني السليم، وهذا ما يكشف عن تداخل الأبعاد السياسية في حل النزاع القضائي، وكان متوقعاً، وفقاً لمذكرة نيابة النقض والمرافعات، أن تنتهي المحكمة للفصل في النزاع القانوني، وإذا ما صحت هذه الحجة، فسوف تكون مدخلاً لتصعيد الأزمة بين الطرفين.

ويبدو وجود اتجاه لكسب أكبر وقت ممكن، قبل صدور الحكم القضائي، حتى تتوفر فرصة تغيير الأوضاع العسكرية، واستعادة "الكرامة" زمام المبادرة العسكرية، أو السياسية. فالتعامل مع هذه القضية يختلف، بشكل واضح، عن التسارع في نقض قرار "المؤتمر الوطني" تشكيل حكومة أحمد معتيق التي أنجزتها الدائرة الدستورية خلال 15 يوماً من تقديم الطلب، وهو أمر يحمل دلالاتٍ كثيرة، على الرغم من عدم تغيير هيئة المحكمة.

وعلى الرغم من إقامة دعاوى الطعن في دستورية انعقاد مجلس النواب، في منتصف أغسطس 2014، سكتت المحكمة حتى 8 أكتوبر، وليس هناك توقع أن تنتهي منها في 5 نوفمبر، وهذا التباطؤ الظاهر والواضح يمنح نواب طبرق ميّزات وفرصاً، في مقدمتها انتظار نتائج الحرب الدائرة في البلاد، ومنح برلمان طبرق أكبر فرصة ممكنة لتوطيد أوضاع قانونية وسياسية، تعزز موقفه التفاوضي، وتدفع باستمراره طرفاً في المعادلة السياسية في البلاد، وخصوصاً في ظل افتقاد عملية الكرامة الإمكانات الذاتية، واعتمادها الكامل على الدعم الخارجي.

وقبل انعقاد الدائرة الدستورية، عقدت محاكم ونيابات استئناف المنطقة الشرقية اجتماعاً في مدينة البيضاء (شرق بنغازي)، في 19 أكتوبر لتناول الظروف المحيطة بانعقاد المحكمة في طرابلس، وصدر عن الاجتماع بيان يتضمن عدم الاعتداد بحكم الدائرة الدستورية، إذا ما جاء تحت ضغط سياسي، أو تهديد مسلح، باعتبره عملاً يهدد ويرهب أعضاء المحكمة، ويكرههم على إصدار حكم تحت الإكراه. وعلى الرغم من أن سياق البيان كان بمثابة إسناد للدائرة الدستورية، فإنه يطرح إمكانية عدم القبول بالحكم، وعدم انطباق آثاره، سواء للاعتلال أو البطلان، وبالتالي، سوف يكون الحكم (وقت صدوره) مثاراً للبطلان ومثيراً للصراع. وهنا، يمكن القول إن تباطؤ تناول هذه القضية سوف يساهم في تعميق الأزمة السياسية.

ويأتي توجه المحكمة نحو التأجيل في سياق تطورات داخلية وإقليمية ودولية، في مقدمتها أنه على الرغم من الانتصارات العسكرية، يوجد تباطؤ واضح في فاعلية الإطار السياسي لعملية "فجر ليبيا"، فقد ظل تأثيره الدولي محدوداً ببعض الدول المساندة، كما لم يستطع فرض رؤيته على جلسة الحوار في غدامس، حيث انحسرت في نطاق تسوية النزاع الدستوري حول مجلس النواب، وتجاهل الوضع الدستوري للمؤتمر الوطني والحكومة المنبثقة عنه، ما يعني قبول النواب المقاطعين بمرجعية أن النزاع يكمن في تشكيل مجلس النواب، وليس في انتقال السلطة من المؤتمر، وتجاهل هذه الجزئية يعكس عدم تبلور الإطار السياسي لعملية "فجر ليبيا"، بشكل يكافئ الترتيبات السياسية للأطراف المناهضة لها، كما أن مجموعات ثوار بنغازي لا تستطيع وحدها حسم المعارك في المنطقة الشرقية، والمشكلة الأساسية، هنا، تكمن في أن طول فترة الحرب سوف تؤدي إلى تمزق المجتمع، وبروز أنماط من الصراعات الاجتماعية الممتدة.

كما يأتي في سياق تصاعد العمليات العسكرية في شرق ليبيا، وبروز الجدل حول التدخل المصري لمساندة المسلحين التابعين لعملية الكرامة، وليس متوقعاً أن تؤدي إلى حدوث تغيّرات سريعة في مسار العمليات العسكرية، حيث تفتقر مجموعات "الكرامة" للانضباط وتجميع الأفراد، ولهذا تركز على طلب المساعدات الخارجية والتدخل الدولي، ويساندها برلمان "طبرق" في توفير المظلة القانونية لعملياتها، وتعاونها العسكري الخارجي.

وفي سياق انعقاد المحكمة، صدر بيان مشترك لمجموعة شركاء ليبيا (إيطاليا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، أميركا)، في 18 أكتوبر، يؤكد على المواقف السابقة، والتي تقضي بإدانة كل المسلحين، وشمل البيان كل الأطراف، وبينما صرح باتهامات لأنصار الشريعة وميليشيا خليفة حفتر، فإنه أشار، ضمنياً، إلى عملية فجر ليبيا. وأشار البيان إلى جانبين: إمكانية بدء تطبيق القرار 2174 ضد الأفراد الذي يصنفهم إرهابيين، وأهمية تكوين جيش وطني.

ويتلاقى البيان مع توصيات سابقة في ضرورة تطوير الحوار والالتزام بنتائجه، وأشار، خصوصاً إلى حوار غدامس، تحت رعاية البعثة الدولية. وهنا، لا يعكس البيان تغيّرات جديدة في الموقف الدولي، إذ يؤكد على شمولية الحوار الوطني، من دون ابتكار آلية لضمان احتواء الصراع، ومنعه من الانفلات. ويمكن القول إن معظم الأطراف الخارجية، المنخرطة في الصراع في ليبيا، تسعى إلى التحكم في مسار الصراع ونتائجه، من دون وضوح رؤية أو آليات لخفض التوتر، وتسوية الخلافات بين الأطراف الليبية.

وفي سياق اختلاط العوامل القانونية والسياسية وتشابكها، سوف تكون ليبيا أمام خيارين: المضيّ في المسار السياسي الحالي، على الرغم من الخسائر وفقدان سلطة الدولة، أو الانتقال إلى إطار سياسي جديد يضمن إجراء تعديلات دستورية واسعة، وتكوين حكومة وحدة وطنية، فإن انتشار النزاع في كل أنحاء البلاد سوف يقضي على فرص إقامة حكومة مركزية قوية، يمكنها إدارة شؤون البلاد. وهنا تبدو أهمية طرح صياغات غير تقليدية للحوار الوطني، بحيث لا ترتبط بالقيود الراهنة، وتعبّر عن رؤية شاملة وتفاوضية لتسوية الأزمة، وتراعي المطالب المشتركة لكل الأطراف.

دلالات

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .