شقة ياسر عرفات

شقة ياسر عرفات

11 أكتوبر 2014

عرفات بين نبيه بري ووليد جنبلاط في بيروت (أغسطس/1982/أ.ف.ب)

+ الخط -

ما فتئت الكتابات السياسية اليمينية، ومعها كتابات "يساريين تائبين" تحوّلوا إلى اليمين، تروّج أن العمل الفدائي كان السبب الوحيد للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ولولا الفدائيين، لما تعرضت الأراضي اللبنانية لاعتداءات الإسرائيليين. لكن الإحصاءات الرسمية لدى لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية تؤكد أن لبنان تعرض، بين عامي 1949 و1965، حين لم يكن في لبنان فدائي واحد، لنحو 1800 اعتداء قتل فيها مئات اللبنانيين. وهذه الإحصاءات تفقأ حصرمة في عيون مروّجي الكذب من الصحافيين والكتاب والإعلاميين الطائفيين.

والمعروف أن ياسر عرفات منذ أن أقام في لبنان جهد كثيراً في تطمين اللبنانيين، ولا سيما المسيحيين، إلى أنه لا يرغب في أي وطن بديل من فلسطين، وأنه لا يريد أن يكون حليفاً لأي طرف في مواجهة أي طرف آخر. ولهذه الغاية، أقام علاقات علنية بالرئيس سليمان فرنجية، ثم بالرئيس الياس سركيس، وكذلك بكميل شمعون وبيار الجميل، وكان رُسُلُه يُنعِّمون أسفلت الشوارع في الاتجاهين. وفي سنة 1973، بعد عملية فردان التي اغتالت فيها إسرائيل كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار، قرر عرفات أن يزور بيار الجميل، ليشكر له مشاركته في تشييع القادة الثلاثة. وبعد الزيارة، صعد إلى سيارة كريم بقرادوني، وطلب إليه التجول في الأشرفية. وهناك رآه الناس، وراح يحيي المارة الذين نظروا إليه غير مصدقين، وكان القصد واضحاً.

... كان عرفات يريد لبنان قاعدة سياسية وإعلامية وعسكرية له، ولم يكن يرغب قط في إشعال البلد، أو أن تتطور الحرب التي اندلعت في 13 إبريل/ نيسان 1975 إلى حريق شامل. وكان كمال جنبلاط يريد أن يكسر المعادلة اللبنانية، لإعادة بناء لبنان بحسب تطلعاته. أما عرفات، فكان يريد الاستفادة من لبنان، بتناقضاته، من غير أن تنفجر هذه التناقضات في وجهه. وكان يتطلع، ولا سيما بعد خطابه في الأمم المتحدة في سنة 1974، إلى أن يحجز له مقعداً في المؤتمر الدولي للسلام الذي كان يجري الحديث عنه بقوة، بعد فك الاشتباك في سنة 1974. ولهذه الغاية، رغب في التقرب من الأميركيين بأي وسيلة. لكن، كمال جنبلاط كان يسعى إلى تحقيق انتصار، لكي يتمكن من تعديل التوازن اللبناني.

وفي جميع الأحوال، لم يكن أبو عمار مقتنعاً بمشروع كمال جنبلاط لتغيير المعادلة اللبنانية، وتغيير نسب القوى في لبنان. وعندما صدرت الوثيقة الدستورية اللبنانية في سنة 1976، رفضها جنبلاط، لأنها أقل بكثير من طموحاته. أما ياسر عرفات فتردد في الموافقة عليها، ليس لأنه معني بكونها جيدة أم غير جيدة، بل لأنه كان يريد معرفة حصة السوريين فيها؛ فهو يخشى، أكثر ما يخشى، سيطرة النظام السوري على قراره.

.. ما أنجزه ياسر عرفات في لبنان، قبل سنة 1975، حطمه الإسرائيليون في سنة 1982، حتى إنه قال لمودعيه لدى خروجه من بيروت: "قولوا لبشير الجميل إننا سددنا كل ما علينا حتى فواتير الكهرباء"، فعرفات كان يعمل مثل المصري المهاجر تماماً. فالمصري في الكويت، مثلاً، يشتري الأدوات الكهربائية ويخزنها في شقته. وحين يسأله زائره الجدوى، يجيب المصري: إن كل ما تراه هنا هو لشقة مصر. وعلى غرار المصري المهاجر، أسس ياسر عرفات في لبنان سلطةً، ضاقت بموجوداتها، بانتظار نقلها إلى فلسطين. وحين تسنى له أن يعود إلى بلاده، بعد اثني عشر عاماً من خروجه من لبنان، وجد أن جميع الأدوات باتت متقادمة، وكان عليه أن يبدأ تأثيث الشقة الجديدة بأدوات جديدة... وكانت خيوله التي رفض أن يبدلها في أثناء المعارك قد هرمت، والخيول الجديدة لا تُحسن الجري.