ثقة واشنطن في "النهضة"

ثقة واشنطن في "النهضة"

10 فبراير 2015

معروف عن ماكين عدم ثقته في الإسلاميين (Getty)

+ الخط -

تبدو الإدارة الأميركية مطمئنة للمسار السياسي الانتقالي في تونس، بدليل ترحيبها بنتائج الانتخابات الرئاسية. ولم يقف الأمر عند قيادة الحزب الديمقراطي، بل شمل هذا التفاعل الإيجابي أوساط الحزب الجمهوري. فقد زار السيناتور جون ماكين تونس، والتقى رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، ورئيس الجمهورية، الباجي السبسي. ولم يكتف بذلك، بل عقد جلسة خاصة مع رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، حضرها قادة من الحركة، منهم علي العريض الذي هوجمت السفارة الأميركية في تونس إبّان كان وزيرا للداخلية. وبناء عليه، صرح السيناتور بأنه "كوّن فكرة واضحة عن كيفية مساعدة الولايات المتحدة تونس في تأمين انتقالها الديمقراطي".

وعلى الرغم من قوة اللوبيات التي تدفع نحو التخلي عن دعم التحولات الديمقراطية في بعض الدول العربية، إلا أنه لا تزال لدى عموم الأوساط الأميركية ثقة في احتمال أن تشكل تونس استثناء في هذا المشهد القاتم، المهيمن حاليا على المنطقة. زيارة ماكين سياسية بامتياز. فالجمهوريون يعتقدون أنهم سيعودون إلى السلطة في الانتخابات المقبلة. وإذ تبقى تونس بلداً صغيراً ومحدود الموارد، إلا أن موقعه الاستراتيجي يفرض على الأميركيين، بغض النظر عن هوية الحزب الحاكم، الأخذ في الاعتبار ذلك في سياساتهم الموجهة للمنطقة العربية. وقد تحدث ماكين عن مقترح إقامة اتفاقية تبادل تجاري حر بين البلدين، لكن الأولوية الأكثر أهمية عندهم هو الوضع الأمني المحرج الذي يهدد تونس، والدول المجاورة لها.

لم يستوعب الأميركيون، حتى الآن، الأسباب الحقيقية والعميقة التي جعلت من تونس المصدر الرئيسي لعدد المقاتلين في سورية والعراق، ووجودهم في مختلف بؤر التوتر والتصعيد. فاجأتهم هذه الظاهرة، ولم يجدوا لها تعليلا مقنعا.

من هذه الزاوية، يمكن أن نفهم حرص السيناتور الأميركي على الالتقاء بالغنوشي، وقادة "النهضة". فالرجل معروف عنه أنه لا يثق في الإسلاميين، لكنه لا يزال يريد أن يتأكد من صحة معطياتٍ تروجها في أميركا وسائل الإعلام ومراكز البحث، حيث يتفق كثير منها على وجود استثناء تونسي، ويقولون، في هذا السياق، إن حركة النهضة عامل أساسي في تحقيق هذا الاستثناء. وإذ يستبعد أن تكون الإدارة الأميركية قد تدخلت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الترتيبات الخاصة بتشكيل حكومة الصيد، وهو احتمال نفاه بقوة رئيس الجمهورية، إلا أنه من المؤكد أن مشاركة حركة النهضة بشكل محدود في الحكومة أثارت ارتياح الأوساط الرسمية الأميركية، والتي سبق أن شجعت على التقارب الذي حصل بين الغنوشي والسبسي، ورحبت به.

عندما كانت حركة النهضة تستعد لخوض انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، بعد مغادرة بن علي البلاد، كان راشد الغنوشي منشغلاً بردود الفعل المحتملة لواشنطن تجاه فرضية فوز الإسلاميين، وانتقالهم إلى الحكم في تونس، التي تعتبر، تاريخياً، بلداً صديقاً لأميركا والغرب. وحتى يتم استيعاب ذلك، انتقل شخصياً إلى الولايات المتحدة، وساعدته على ذلك بعض اللوبيات، لطمأنة أصحاب القرار هناك، ومحاولة إقناعهم بأن حركته معتدلة، وغير معادية للولايات المتحدة، وهي تسير على خطى حزب العدالة والتنمية التركي. وسارت على هذا الدرب كوادر عديدة للحركة، في مقدمتها حمادي الجبالي، قبل توليه رئاسة الحكومة.

من الطبيعي أن يثير هذا التقارب سياسيين كثيرين وغيرهم في تونس، وخصوصاً قادة الجبهة الشعبية الذين ينطلقون من الاعتقاد بأن الإسلاميين هم الحلفاء الطبيعيون لأميركا. ولهذا، اعتبر الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، زياد لخضر، أن جون ماكين "جاء ليلتقي بأصدقائه". لكن، في عالم السياسة، من لا يأخذ في الاعتبار حجم الدور الأميركي وحضوره المباشر والخفي، لا يستطيع أن يكون فاعلاً على أرض الواقع، في بلد صغير، مثل تونس. ولعل الدرس المصري أكبر مثال على ذلك. على الأقل، هكذا قرأته قيادة "النهضة".