فلتحترموا الدم الفلسطيني

فلتحترموا الدم الفلسطيني

02 سبتمبر 2014

احتجاجات فلسطينية على الانقسام بين فتح وحماس (17 نوفمبر/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -


لم يكد يسري تنفيذ اتفاقية التهدئة حتى طفت على السطح مجدداً الخلافات الفصائلية الفلسطينية، خصوصاً بين حركتي فتح وحماس، وكأن شيئاً لم يكن؛ كأن لا وجود لاتفاقية مصالحة ولا حكومة توافق وطني، وكأن الدم الفلسطيني لم يسل في حرب إسرائيلية عدوانية تقترب من حرب إبادة، لا تفرق بين فلسطيني وآخر، فالصواريخ لا تميز بين الفتحاوي والحمساوي، فكل فلسطيني هو مشروع شهيد.

صحيح أن كثيراً من جذور الانقسام لم تعالج بعد، وهناك مسؤولية يتحملها الطرفان، فتح وحماس، إضافة إلى دور "السلطة الفلسطينية"، لكن، إذا لم تؤثر مأساة غزة ودموعها، وصمودها وشجاعتها، وبرز الصراع على سلطة لا سلطة لها، يحدد سقفها المحتل الإسرائيلي كما يشاء ويهوى، فما الذي سيؤثر؟ بعيداً عن الاختلافات والخلافات السياسية على أهميتها، فإن المشكلة الأعمق هي في عدم اعتراف كثيرين من أعضاء الحركتين، وبعض القيادات فيهما، بدور كل منهما في النضال الوطني الفلسطيني، حاضراً وتاريخاً، إلى درجة الإهانة والاستخفاف المشين أحياناً، وباستهانة كل من الفصيلين بتضحيات مقاتلي الفصائل الأخرى ومناضليها داخل منظمة التحرير الفلسطينية وخارجها.

هناك نزعة عن الفلسطينيين، ولا شك موجودة في مسيرات الشعوب، أن يعتقد كل جيل أو حركة جديدة، بما في ذلك النشطاء خارج الوطن. أن النضال بدأ من عندهم، فلا اعتراف بتراكمية النضال والتضحيات، فالفاصل بين إعادة تقييم التجربة، ونقدها ولو بحدة، وبين إنكار وتدمير تاريخ كل ما مضى يتلاشى، في لحظة نزق وتعصب، وأحياناً لا وعي بحركة التاريخ أو عذابات المناضلين الذين لولاهم لما أعيد فرض الحقوق الفلسطينية، بل واسم فلسطين نفسه على الخارطة السياسية العالمية. لا شك أن اتقافية أوسلو وإفرازاتها نهشت في وحدانية الشعب الفلسطيني وقضيته، إلى درجة مدمرة للتاريخ والحاضر، لكن ذلك لا يعفي أي فلسطيني، خصوصاً المناضل والكاتب والمحلل، من واجبه بوعي وإظهار استمرار النضال، على الرغم من كل الانقسامات، وهذا يعني الإقرار بسجل التضحيات تاريخاً وحاضراً، ولا أتحدث عن التاريخ البعيد.

لا أتحدث عن التاريخ البعيد، فكيف يمكن إنكار مشاركة حركة فتح في قيادة الانتفاضة الثانية، بما في ذلك عناصر من داخل السلطة الفلسطينية، وكثيرون فيها، والأبرز فيهم الأسير منذ سنوات، مروان البرغوثي. وكيف يمكن أن ينكر أحد على الجبهتين الشعبية والديمقراطية، أسراهما وشهداءهما، وهل يجوز أو يصح إنكار شجاعة مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي في التصدي لعدوان الحرب الأخيرة على غزة وما قبلها؟ نعم، هناك اختلافات سياسية، لكنها بدأت تخضع للفرز القائم بين علماني وديني، وهو اختلاف مشروع.

لكن، لا يحق للفتحاويين اختزال حماس بمشروعٍ ديني، ولا يحق لحماس اختزال فتح بـ"أوسلو"، خصوصاً أن القيادات والنخب تعرف الحقيقة كاملة. لكن، لا علاقة للتزييف بمشروعٍ نهضويٍّ، بل بصراع نفوذ ذي حس انتقامي، لا يمكن الخضوع له، إلا إذا أردنا التضحية بتضحيات شعبٍ بأكلمه. على السلطة الوطنية الفلسطينية، وبضغط شعبها، وخصوصاً من حركة فتح، التخلي عن ارتهانها "لعملية سلام" غير موجودة، إلا إذا كانت "حراسة أمن إسرائيل" مصدر شرعيتها، وعلى "حماس" ألا تخضع الفلسطينية لمشروع الدولة الدينية، فقضية فلسطين أكبر منكم ومنا جميعاً، وكل مشروع آخر هو نقيض لفلسطين.

المفزع أن حيل إسرائيل المكشوفة لتعميق الشرخ الفلسطيني قد تنجح، بفضل عمى بصيرة فلسطيني، والموجع أن تدوس المصالح الفصائلية على أجساد أطفال ممزقة وعلى أرواح شهداء القضية.