"شارلي إيبدو" ورواية فرنسية

"شارلي إيبدو" ورواية فرنسية

11 يناير 2015

رواية ميشال ويلبيك "استسلام" في مكتبة في باريس (يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
كان الأربعاء الماضي يوم المقتلة الإرهابية في باريس، وكان أيضاً يوم بدء توزيع رواية تتخيّل فرنسا دولة إسلامية في العام 2022، عندما يُنتخب زعيم حزب "الإخوة الإسلامية"، محمد بن عباس، رئيساً، ويعيِّن أستاذاً جامعياً فرنسياً اعتنق الإسلام رئيساً للحكومة التي ستحظر عمل النساء. تُرى، هل يمكن المجازفة بتخمين أنَّ شيئاً من الزهو أصاب صاحب الرواية، ميشال ويلبيك، لمّا وصلت إلى أسماعه أخبار جريمة الاعتداء القاتل على جريدة "شارلي إيبدو" التهكمية، وهو المسكون بالعداء للإسلام، ويراه خطراً يهدد "الهوية الفرنسية"؟ ومما يحسن أن يُعرَف أن العدد الذي كان معدّاً للتوزيع من الجريدة المغدورة كان يشتمل على رسمٍ يسخر من ويلبيك وعنصريته التي طالما جهر بها، والبادية في روايته الجديدة "استسلام"، والتي راجت تفاصيلها قبل نشرها، وتسرّبت، بالقرصنة، على الإنترنت، مجاناً، على ما يذكر المعطي قبال، في إضاءة عليها في الملحق الثقافي لـ "العربي الجديد" (6 يناير 2015). وأفادت إضاءة أخرى بأن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قال إنه سيقرأ الرواية، غير أنه حثّ الفرنسيين على عدم الخوف، وأكّد، في الوقت نفسه، على حرية الأدب.
بالنظر إلى حرفة ويلبيك الروائية، وهو الفائز بجائزة غونكور، وإلى الدعاية العريضة التي حظيت بها "استسلام"، كان متوقعاً أن تباع النسخ المائة والخمسون ألفاً منها بشكل واسع، وهذه واقعة "شارلي إيبدو" ستضاعف المبيعات كثيراً، كيف لا واللذان اقترفا جريمة القتل مسلمان، صارا فرنسييْن لانتسابهما إلى أسرتيْن مهاجرتين. وفي وسعنا، هنا، تأكيد البديهي، أن الجريمة، وجرائم غيرها ترتكبها مجموعات مسلمة في العراق وسورية ونيجيريا وباكستان، ومطارح أخرى، تزود ميشال ويلبيك، حججاً غير قليلة في تحذير العالم من (الإرهاب الإسلامي). وفي وسعه أن يخاطب الفرنسيين، قائلاً إن القتل الذي صار في باريس، وقضى فيه رسامو كاريكاتير وحراس وعاملون، يؤشر إلى ما حذّر منه في روايته، ومن تفاصيله، ذات الهلوسة الصارخة، أن فرنسا أمام كابوسٍ خطر، تشهد فيه توتراً عرقياً يجعلها على حافة حرب أهلية، نتيجة انهيار حزبي الاشتراكي والاتحاد من أجل الجمهورية. بحسب قريحة ويلبيك التي ترى المسلمين "أغبياء"، ودينهم بالغ السوء.
يهزم محمد بن عباس في انتخابات رئاسة فرنسا عام 2022 مارين لوبن، وهي زعيمة حزب يميني متطرف، لم تتفوه بعد جريمة "شارلي إيبدو" بأي عنصرية تجاه أي أحد. يتلو انتصار بن عباس أن يسيطر الأساتذة المسلمون على الجهاز التعليمي في فرنسا، وتصبح السوربون "الجامعة الإسلامية". هل يمكن أن نحتمل، نحن العرب، قراءة رواية (تتخيّل) هذا كله. يمكن للفرنسيين أن يتقاطروا إلى شراء نسخهم منها، وهذا شأنهم، لأن الذي تخوض فيه يتعلق بهم، وبمخاوف لدى بعضهم. لا شطط في تقدير أنهم سيطالعون الرواية، وقد بدأوا ذلك، وفي مداركهم قتل هازئين في رسومهم الكاريكاتيرية من كل الرسل والأديان، ومن ميشال ويلبيك أيضاً، على الرغم من أنه وعد مواطنيه في الرواية، عندما يصبح محمد بن عباس رئيسَهم، بدعم من الدول النفطية العربية الإسلامية!
يكتب صاحب هذا المتخيل، أو هذه الهلوسات، بتعبير المعطي قبال، أو هذا التخريف، بتعبير جائز أيضاً، من دون أي اعتبار لأخلاق أو شعوب أو تاريخ أو حقائق. إنه يتوسل التسلية، وبأي صيغة، ومن أي مدخلٍ يشاء. لكنَّ ما شهدته فرنسا في الأيام الماضية، منذ جريمة الجريدة الباريسية، اليسارية في أحد أوصافها، لا يشيع تسريةً في النفوس، ولا يبعث على تجريب المزاح والمسخرة والهلوسة، فمقادير الجديّة فيه فادحةٌ وشاسعة، ويخصّنا، عرباً ومسلمين، ويستدعي منا قراءةً حاذقة، صريحة وشجاعة، تؤشر إلى كل عطنٍ وعطب فينا، ومن دون أي استدلالٍ بميشال ويلبيك حجةً للقول إنهم من يكرهوننا.


معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.