من قتل توت عنخ آمون؟

من قتل توت عنخ آمون؟

26 سبتمبر 2014

واجهة معرض عن توت عنخ آمون في شيكاغو (مايو/2006/Getty)

+ الخط -

ليس بيني وبين توت عنخ آمون أي مشكلة. هو مجرد حسدٍ طفيفٍ يغشاني تجاهه، من فرط ما أقرأ عن أسفارٍ في العالم، لمتعلقاته ومقتنياته وما وجد في مدفنه من قلائد وأختام وعصي وأشياء من ذهبٍ وغيرها، تنتظم لها معارض كبرى، زارها ملايين في بريطانيا وأميركا وفرنسا وسويسرا وألمانيا، مثلاً. جديدها بدأ، قبل أيام، في أكسفورد، عن اكتشاف مقبرته قبل 92 عاماً، وهو الذي مات عن 19 عاماً.
وقد ظللت أغبط هذا الفتى، على هوسِ عديدين في العالم به، فيما هو عظامٌ رميم، إلى أن استجدَّ لديَّ نحوه تعاطفٌ كثير، بعد أن صرت أميل إلى شكوكٍ بأنه قضى غيلةً، لا أظنُّ أن خبير الفرعونيات المصري، زاهي حواس، أَفلح في إزالتها، لمّا أعلن، قبل عامين، أَن الملاريا هي التي قتلت توت. ظننتُ، في حينه، أَنَّ حواس أتى بالذئب من ذيله، لا سيما وأنه تحدث عن فحوصٍ مخبريةٍ وأشعةٍ سينية ومسوحاتٍ ضوئية، أجريت على مومياء الفرعون الصغير دلت على قصة الملاريا.
لا ناقة لي ولا جمل في كل الخرّافية (عذراً إميل حبيبي)، إنْ قَتلَ توت عنخ آمون أحدٌ ما، أو أَن مرضاً أودى به، إن لم يكن الملاريا فإنه عدم تدفق الدم إلى عظامه، أو تضخم الثدي، كما قالت (اكتشافات) علماء مختصين، لم يحفل بها عالم بريطاني، مكينٌ فيما يبدو، قال إن "حادث سير" أنهى حياة صاحبنا، لمّا كان في عربةٍ حربية، قبل 3336 عاماً، واصطدمت بشيء من حديد، فتحطم جسدُه فيها. بعيداً عن الناقة والجمل، قصة المؤامرة أمتع من متاهة الملاريا وذينك المرضيْن وتلك العربة، دبّرها وزيرٌ لدى توت، ليتزوج من أرملته، وليتم تنصيبه على العرش، وهو ما صار، بعد (قتل) الملك المغدور، والذي جسده مفتتٌ إلى 18 قطعة، ململمةٌ وملصقةٌ ببعضها، ومحفوظةٌ مومياؤه في المدفن المهول الذي كان اكتشافه، في صعيد مصر، قبل 92 عاماً إنجازاً مدهشاً.
يتعلق معرض أكسفورد بذلك الاكتشاف الذي قد يثير الغيظ، لما أُغدقت عليه من أَوصاف، وما قيل عن أعاجيب تلك المقبرة الفرعونية. وبمناسبته (المعرض)، قال باحثٌ بريطاني، جزاه الله خيراً، إن 30% فقط من محتوياتها دُرست في التسعين عاماً الماضية بالتفصيل. وفي الأثناء، ظلّت نظرياتٌ تتوالى بشأن أحجية موت توت نفسه. والمشكلة العويصة التي قد تستجد، أنَّه إذا ما حُسم أمر المؤامرة، هل سيكون في وسع أساطين الفرعونيات أن يصدعوا بالحق والحقيقة، فيشهّروا، أقله، بالفعلة الذين اقترفوا جريمة قتل حاكم مصر القديم، والقاعدة القانونية، إنَّ الحق لا يسقط بالتقادم، خالدةٌ، ما بقي بشرٌ في الأرض.
فرحت منى جمال عبد الناصر بكلام زاهي حواس عن (حقيقة) وفاة توت بالملاريا، وقالت، إبّانه، إن مضي آلاف السنين لا يعني أن "يوماً ما" لن يأتي وتُعرف فيه حقائق ما ارتُكب، وما صار، منذ فجر التاريخ، الأمر الذي يطمئنها على أن "حقيقة" وفاة بعلها، أشرف مروان، سقط من شرفة منزله في لندن أم تم إسقاطه، سيأتي "يومٌ ما" وتُعرف. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، في وسعنا أَن نطمئن إلى أن قتلة رفيق الحريري قد يُحسمون يوماً، ولو بعد أزيد من ثلاثة آلاف عام، وأن عبد الحكيم عامر، سيُعلن في "يومٍ ما"، بعد ثلاثمائة قرن ربما، إن كان قد انتحر أم أنه صحيحٌ قول أرملته، برلنتي عبد الحميد، إنَّ سُماً وضع له في كوب عصير جوافة شربه. أَما الفقيد (الغالي حقاً كما هو واضح) توت عنخ آمون، فإنه يستحقُّ أن تقطع جهيزةُ قول كل خطيبٍ بشأن وفاته، فإن ثبت إنه راح قتلاً، علينا التشهير بالفاعلين، وفضح مآربهم السوداء، وإنْ بين ظهرانينا جرائم طازجة ومؤامرات وفيرة وتمويتٌ كثير.     

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.