يوسا الذي يذكّرنا بصالح علماني

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
كنت أظنّ أنني الوحيد الذي لم يستطع إكمال رواية "البيت الأخضر" لماريو بارغاس يوسا، إلى أن قرأت أخيراً في صحيفة عُمان (صباح رحيل صاحب "حفلة التيس") مقالاً بقلم الصديق محمد الشحري، يذكر فيها أنه قرأ جميع روايات يوسا باستثناء "البيت الأخضر"، والسبب في أنه لم يكمل قراءتها أن مترجمها لم يكن صالح علماني.
يعود الفضل لتعريفنا بكثير من أدب أميركا اللاتينية إلى صالح علماني، لأن لديه بصمته ونكهته في الترجمة، مثله سامي الدروبي في ما يتعلّق بترجمة روايات فيودور دوستويفسكي (عن الفرنسية). والسبب أن الراحل صالح علماني كان يعرف تفاصيل الطبخة السرّية للواقعية السحرية. وقد تحدث في محاضرة له في مسقط عن معرفته العميقة بتفاصيل الحياة اللاتينية، ليس بسبب ما يوفّره إتقانه اللغة الإسباينة فقط، إنما (كما قال) أيضاً لأنه ذاق مأكلهم ومشربهم وشهد تفاصيل حياتهم، كما تجمعه علاقة خاصّة بيوسا نفسه، الذي كان مهتماً بترجمة رواياته إلى العربية، لاقتناعه بقوة حضوره والإقبال الكبير على رواياته من القراء العرب في مختلف أوطانهم ومنافيهم. تمتاز لغة علماني بشعرية العبارة، يُترجِم كأنّه صاحب رواية مؤجّلة، يترجم بِوَله الكاتب الأصلي، ويجتهد في أن يصبّ جهده كاملاً في الفقرة، ثمّ الجملة، ثمّ المفردة، كما يفعل الشعراء حين يصيغون قصائدهم القصيرة. حتى إننا نرى أسلوب علماني موحّداً في مختلف ما تُرجِم من روايات، كأنّه من كتبها.
وبالعودة إلى يوسا، الذي غادر عالمنا أخيراً بعد تجربة حافلة بكتابة الرواية، فإن من أشهر رواياته "حفلة التيس"، التي تعمّقت في تفصيل فساد الحاكم وحياته السرّية، من دون أن يتخلّى في كتابة التاريخ عن العجيب والمفارق والمدهش الذي يميّز أدب أميركا اللاتينية، فحاكم الدومانيك، بطل الرواية (ومفردة التيس تحمل دلالةً جنسيةً واضحةً)، مات بطريقة عجيبة، فكان ذاهباً إلى عشيقته في الليل، في مزرعة تقع في ضواحي العاصمة، وكان حينها من دون حراسة، وهناك من أعدائه من تلقّف خبر خروجه الليلي فأطلق عليه النار، وحشره في مؤخّرة إحدى السيارات. بعد ذلك، ظلّت الدولة والعسكر يبحثون عن الرئيس وقتاً طويلاً من دون أن يجدوا له أثراً.
تدلّل روايات يوسا على البحث والقراءة الموسّعة، والفهم التاريخي المفصّل لمواضيع رواياته، مثلاً في رواية ألاعيب الطفلة الخبيثة، يجد القارئ سجلّاً كبيراً عن حركة الهيبيز التي ازدهرت في الستينيّات والسبعينيّات. تظهر أيضاً ثقافة يوسا في محاضراته الجامعية في أميركا، وكان معظمها عن الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، إذ يرى يوسا (كما رأى من خلفه الروائي المكسيكي كارلوس فوينتس) أن بورخيس هو من علّم أميركا اللاتينية كتابة الرواية، رغم أن بورخيس لم يكتب روايةً في حياته، وهذا الاستنتاج يمكن أن تجد له إثباتاً واقعياً، فالرواية الشهيرة "الخيميائي" للبرازيلي باولو كويلو كانت نواتها قصّة من قصص بورخيس، سنجدها عربياً في الكتاب القصصي "المرايا والمتاهات"، الذي ترجمه باقتدار المغربي إبراهيم الخطيب.
يشكّل يوسا مدرسةً في صبر الكاتب ومثابرته على إنجاز رواياته التي تتميّز بالضخامة. لا يتوقّف كثيراً بين رواية وأخرى، لأنه صاحب مشروع. كما يمكن أن نتعلم منه أمراً مهمّاً جدّاً، أن دول أميركا اللاتينية يجمعها مخيال واحد، مثل الدول العربية، يمكن للمصري أن يكتب مثلاً روايةً فضاؤها السعودية أو أيّ بلد آخر، هكذا روايات يوسا حين تدور مواضيعها في أكثر من بلد من بلدان أميركا اللاتينية، وليس عن البيرو فقط، وهذا ربما يميّزه عن ماركيز. كما أن يوسا يهندس رواياته بصبر.
سئل علماني في تلك الجلسة بمسقط عن رأيه في الفرق بين ماركيز ويوسا، فأجاب: "يوسا مهندس أمّا ماركيز فشاعر".


كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية