يد إسرائيل الخفيفة على الزناد

يد إسرائيل الخفيفة على الزناد

09 سبتمبر 2022
+ الخط -

لا أحد يملي علينا أوامر إطلاق النار، هذا هو رد رئيس الوزراء الإسرائيلي، يئير لبيد، القاطع، على إعلان الخارجية الأميركية، أنها ستواصل الضغط على إسرائيل، لتغيير سياستها بخصوص قواعد الاشتباك في الضفة الغربية، فجاء هذا الرد من منطلق القناعة الإسرائيلية الكاملة، أن من حق الجندي الإسرائيلي أن يضغط على الزناد متى استشعر الخطر، وأن يقتل بلا تردد، ومن دون أن يرفّ له جفن. وهذه السياسة الإسرائيلية في الضغط السريع على الزناد ليست وليدة مرحلة سياسية معينة، فهي قائمة في زمن حكم الأحزاب اليمينية، وهي قائمة في زمن حكم الأحزاب اليسارية، وهي قائمة زمن التطبيع، وقبل التوقيع على معاهدات السلام. .. ليست سياسة الإعدام الميداني للفلسطينيين قرينة حادث قتل معين، أو رد فعل لحادث، وإنما هي القاعدة الأساسية لما يسمّونه الدفاع عن النفس، أو قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين، وقد تجسّدت هذه السياسة بوحشية قبل قيام دولة إسرائيل، زمن العصابات الصهيونية؛ التي كانت تتسلل إلى القرى والتجمّعات الفلسطينية، تقتل، وتتفاخر بما قامت به من نسف للبيوت، وتفجير للمقرّات.

وعلى ضوء التقرير الإسرائيلي الذي لا يحمّل إسرائيل المسؤولية عن مقتل شيرين أبو عاقلة، جاء التدخل الأميركي لذرّ الرماد في العيون، حين طالب الجيش الإسرائيلي بتغيير قواعد الاشتباك. صدر التصريح عن وزارة الخارجية، وهو غير مقترنٍ بأي إجراءاتٍ عقابية، أو تهديد بالعقاب، وهذا ما يدركه قادة إسرائيل، وهم يضعون حداً لأي تدخل خارجي في قراراتهم الداخلية، ويزعمون أن الأوامر بالقتل تهدف إلى حماية الإسرائيلي، وردع الفلسطيني. لذلك تعمد وزير الحرب الإسرائيلي، بني غانتس، أن يقول إن قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين يحددها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي فقط.

الجندي الإسرائيلي يمارس هوايته حين يقتل، وبغض النظر عن القتيل، طفلاً كان أو امرأة

وقد حدّدها رئيس الأركان الحالي، حين أصدر في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعليماته إلى جيش الاحتلال، وتقضي بإطلاق النار المباشر على الشبان الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة والزجاجات الحارقة، سواء خلال إلقاء الحجارة، أو بعد القائهم الحجارة، وحتى بعد انسحابهم من المكان، بل سمح بإطلاق النار باتجاه أشخاصٍ يدخلون إلى قواعد عسكرية أو مناطق إطلاق نار. استقبل جنود الاحتلال هذه الأوامر العسكرية بالترحاب، والتطبيق الفعلي على الأرض، فالجندي الإسرائيلي يمارس هوايته حين يقتل، وبغض النظر عن القتيل، طفلاً كان أو امرأة، وهناك عشرات الشواهد على إعدام نساء فلسطينيات لمجرّد الشبهة، ولن تكون آخرهن غادة إبراهيم سباتين (47 عاماً) وأم لستة أولاد، وقد تم إعدامها غرب مدينة بيت لحم.

تشرّع تعليمات القتل الصادرة عن رئيس الأركان الضغط على الزناد بسرعة وخفّة، وتعطي للجنود الإسرائيليين الحق الكامل في الرد بالذخيرة الحية، في حال شعورهم بخطرٍ يهدّد حياتهم، ما يعني، بوضوح، القيام بعمليات إعدام ميداني ضد الشبان الفلسطينيين، بذريعة حماية الجنود أنفسهم، في أثناء اقتحاماتهم مدن الضفة الغربية، وقد تكون هذه الأوامر وراء ارتفاع عدد الشهداء في الضفة الغربية إلى أكثر من 88 شهيداً منذ مطلع سنة 2022، خلافاً لمئات الجرحى، فإذا أضيف إلى خفّة اليد على الزناد إطلاق الطائرات المسيرة لاغتيال من لا ترضى عنه إسرائيل من شباب الضفة الغربية، فذلك يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الإعدامات الميدانية للفلسطينيين، والكثير من العدوان المباشر على التجمعات السكنية. وقد استبقت القيادة الإسرائيلية إرهاب الطائرات المسيّرة بادّعاء أن الذي تدرّب على استخدام هذه الطائرات اثنان؛ قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وقائد المنطقة الشمالية. وفي هذا التحديد تبرير مسبق لعمليات الإعدام الميداني في المرحلة المقبلة.

تشرّع تعليمات القتل الصادرة عن رئيس الأركان الضغط على الزناد بسرعة وخفّة

لتعليمات رئيس الأركان الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين خلفية مجتمعية قبل أن تكون ركيزة حزبية للمتطرّفين. ولا صلة لهذا بصندوق الانتخابات، لأن خفة اليد على الزناد عادة إسرائيلية، وأسلوب حياة، مارسها معظم المجتمع الإسرائيلي، الذي انزاح إلى اليمينية أخيرا، وصار يصفق لكل عملية قتل للفلسطينيين، ولم يعد هناك من يطالب بمحاكمة الجندي الإسرائيلي القاتل، أو حتى مساءلته على القتل العمد. وفي أقصى الحالات التي مارس فيها الجندي الإسرائيلي القتل بشكل متعمّد، كانت العقوبة خدمة داخل المعسكر، وقد دللت استطلاعات الرأي التي أجراها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية على أن 65% من الشعب اليهودي يقفون في صف الجندي أليئور عزاريا، الذي قتل المواطن الفلسطيني الجريح عبد الفتاح الشريف بشكل متعمّد، وأمام الكاميرا.

ما سيفسد على رئيس الأركان الإسرائيلي تعليماته هو الشعب الفلسطيني، ومقاومته الشجاعة، وهي تشقّ طريقها من جنين إلى نابلس، ومن هناك إلى الخليل، لتعبر إلى الأغوار، ومنها إلى رام الله، هذه المقاومة التي يخوضها الشعب بكل أطيافه، هي الكفيلة بتغيير قواعد الاشتباك، وفرض إرادة الشعب، فحين تتعادل موازين القوى على الأرض، ويواجه الرصاص بالرصاص، وتكون المباغتة، يبيت الجندي الإسرائيلي في رعب، وترتجف يده على الزناد، فيطلق النار على زميله، كما حدث في شمال الضفة الغربية، ليتحدّث تقرير رئاسة الأركان الإسرائيلية عن نيران صديقة.

3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
فايز أبو شمالة
كاتب وسياسي فلسطيني يقيم في قطاع غزة، عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، دكتوراه في الأدب المقارن بين الشعر العربي والشعر العبري.
فايز أبو شمالة