يتفق الجميع على وحدة سورية وتقسيمها

يتفق الجميع على وحدة سورية وتقسيمها

23 يوليو 2022
+ الخط -

الجميع متّفقٌ على أنّ تركيا مُصرّة، في نهاية المطاف، على تنفيذ عمليتها العسكرية في مناطق غرب الفرات، وتحديداً في منطقتي تل رفعت وربما منبج، في حال فشلت المشاورات السياسية، بين ثلاثي أستانة، وتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في سوتشي 2019 بين روسيا وتركيا لإنشاء منطقة آمنة، بعمق 30 كلم وطول 480 كلم، تكون خالية من أذرع حزب العمال الكردستاني، قوات حماية الشعب، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المصنفة إرهابية لدى تركيا.

التصلّب في الموقف التركي وأجواء التسخين العسكري والسياسي، ارتفعت وتيرتهما، بعد قمة مدريد، والتي حسب التسريبات أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حصل على مكاسب سياسية خلال اللقاء الذي جمعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، تجلّى ذلك عبر إشارة أولى أتت من على متن الطائرة خلال رحلة العودة. بقول أردوغان عن العملية العسكرية "إنها ستأتي على حين غرة". وجاءت الإشارة الثانية من نتائج زيارة وفد التحالف الدولي مناطق شرق الفرات بقيادة السيناتور ليندسي غراهام، وما حمله من عروض لقيادات "قسد" كان من شأنها إيقاف العملية العسكرية، وتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف. العرض قِيل إنّ تركيا أبدت موافقتها عليه، كونه يقضي بانسحاب قيادات الصف الأول من مليشيات "قنديل" التابعة لحزب العمل الكردستاني، استناداً إلى اتفاق سابق على المدينة، كان قد عُقد بين تركيا وإدارة الرئيس السابق ترامب، بالإضافة إلى فرض شروط أخرى على قوات "قسد"، أهمها منع التعامل مع النظام السوري وروسيا وإيران.

كان ذلك ما يتعلّق بمناطق شرق الفرات. أما الحديث عن منطقة تل رفعت، فقد أخبر الوفد أنّ هذا شأن ليسوا على علاقة به، ومعنى ذلك أنّ الضوء الأخضر الأميركي في تل رفعت موجود لتقويض النفوذ الروسي في غرب الفرات.

الوضع السوري ذاهبٌ نحو مزيد من الاستعصاء والتصعيد الدولي

رفضت قوات سوريا الديمقراطية عرض التحالف، علماً أنّه جاء جزءا متكاملا لمناطق شرق الفرات، وسيجري نقاشُه في جلسة تعقد في أربيل لاحقاً، تهدف من خلاله واشنطن إلى تعزيز عوامل الاستقرار، وإنهاء حالة التوترات الأمنية مع تركيا، وتفعيل قرارات الإنعاش الأميركي للمنطقة بعد حزمة الاستثناء للمنطقة من قانون قيصر. فيما يكمن الهدف الفعلي في قطع الطريق على النفوذ الروسي، ومنعه من تثبيت نفوذه شرق الفرات. بدا الاستعجال لدى قوات "قسد" مدفوعا بقرار روسي ودعم من إيران، وقد أعلنت الأخيرة حالة الطوارئ، وبدأت تُروّج مشروع تحالف عسكري مع النظام السوري عبر إرساله أسلحة نوعية مع أرتال من الجنود وصلت إلى مناطق التماس، في ريفي منبج والرقة وحلب، تزامناً مع تعزيزات روسية جديدة من مدرعات وقوات مظلية إلى القامشلي وعين عيسى، ومحيط تل رفعت، دفع ذلك تركيا إلى إرسال تعزيزات جديدة انتشرت في مناطق التماسّ. وبذلك أصبح المشهد تحشيدا سورياليا متبادلا وتصعيدا من كل الأطراف في انتظار ساعة الصفر التي تبدو صعبة في الوقت الحالي، فإيران دخلت على الوساطة بين دمشق أنقرة، وواضح من سلوكها أنها لا ترغب في فتح جبهة جديدة ضدها، وخسارة الحليف التركي، بعدما شعرت بحجم الحرج الحالي بفعل التقارب التركي السعودي، والتركي الإسرائيلي، والهواجس المخفية من زيارة بايدن المنطقة. وبدأت روسيا تُمارس أساليب ضغط ناعم على خطوة تركيا الأولية بفتح باب حلف الناتو أمام السويد وفنلندا، من خلال رفع التأثير العسكري والوجود في شرق الفرات وغربه، وتوسيع هامش المناورة والوجود الإيراني في سورية، وحث الأكراد على رفض عرض غراهام إلى جانب استخدام فيتو أخيرا ضد مشروع قرار غربي لتمديد المساعدات الدولية عبر الحدود.

جديد الرسائل الروسية منح بشار الأسد رخصة الظهور في ساحات مدينة حلب، لأول مرة بعد سقوطها 2016، وقد جاءت الزيارة في محاولة إعطاء شرعية روسية لبشار ومن خلفه روسيا على بسط النفوذ شمال حلب، وأنّ أمام تركيا فرصة لإعادة التفكير باتفاق أضنة 1998 والتنسيق مع دمشق للتفاهم على وضع الحدود الأمنية، بدون الاستدارة نحو المقترح الأميركي.

ضمنياً هناك تفاهمات على الحفاظ على وحدة سورية وتقسيمها في آنٍ معاً

وواقع الحال أنّ الوضع السوري ذاهب نحو مزيد من الاستعصاء والتصعيد الدولي، والصورة الحالية انعكاس فعلي عن مسألة التدويل للملف السوري، وربطه اليوم بشكل مباشر في الصراع الغربي الروسي الأوكراني الأوروبي، فلا روسيا عازمة على قطع شعرة معاوية مع الأتراك مدخلا إلى حل مستقبلي مع حلف الناتو، إلى جانب الحفاظ على العلاقات التجارية والاقتصادية وملفات التنسيق الدولي في البحر الأسود وشرق المتوسط، ودول البلقان، ولا تركيا راغبة في الانزياح الكامل نحو الحلف الغربي. وقد اتضح ذلك من خلال مسكها ورقة البرلمان التركي أمام مناورات السويد وفنلندا. وبهذه الورقة، اتضح أنّ أردوغان عندما ذهب إلى قمة مدريد قد نجا من مأزق دولي وقفز إلى الأمام، فبدلاً من أن يضع نفسه أمام كتلة أوروبية غربية ضده، رمى الكرة في أحضانهم وعاد منتصراً إلى تركيا محمّلا بثناء غربي أوروبي.

أما "قسد" فهي أقرب اليوم إلى الخيارات الصفرية، فكل حديثها عن دعم النظام السوري لها مجرد هالة إعلامية، فالقرار الأخير بيد روسيا، وعندما تحين لحظة الصفر، سيتم انسحاب سريع وإخلاء للمواقع التي سيجري التوافق عليها مع روسيا والأتراك، وإنْ هناك خصوصية لمناطق شرق الفرات، فطريق تل رفعت مفتوحٌ إما لفرض واقع جديد أمام روسيا أو بالتفاهم معها.

في جميع الأحوال، ومهما علت ذروة الخلافات التركية الروسية، فالمعارك والتجارب السابقة أعطتنا دروسا لا زالت صالحة، مفادها أنّ الجميع سيبقى يُراوغ سياسياً. أما ضمنياً، فهناك تفاهمات على الحفاظ على وحدة سورية وتقسيمها في آنٍ معاً.