ولماذا تنعقد القمة العربية؟

ولماذا تنعقد القمة العربية؟

01 نوفمبر 2022
+ الخط -

القمّة العربية التي غابت عن الانعقاد ثلاث سنوات، لا يبدو أنه ستكون لدى الجزائر التي تستضيفها القدرة على توظيف سنوات الغياب تلك في زيادة سوية فعالية القمة، وجعل مخرجاتها تدخل حيز التنفيذ، بعد انتهاء المراسم البروتوكولية ولقاءات المجاملة.
وعلى الرغم من تخمة الأزمات التي يرزح تحت ثقلها الواقع العربي، والحاجة بالفعل إلى تفاهم وتنسيق لإيجاد حلول لهذه الأزمات، أو على الأقل وضعها ضمن برامج متابعة، إلا أن حقيقة أن العرب غير مؤثرين ولا مقرّرين في شؤونهم تجعل من التفكير بإمكانية تحقيق فارق في قمّة الجزائر حلم ليلة صيف.
لن تخترع القمّة البارود، ومهما كانت نيات المضيفين أو نيات الحاضرين، فالسياسات الفاعلة لا يمكن صناعتها في ظل أطر لا تتوفر على آليات مناسبة لتنفيذها ومتابعتها، والمؤكد أن الأوروبيين الذين استطاعوا الارتقاء بعملهم الإقليمي لم يصلوا إلى هذه المرحلة لولا أنهم أوجدوا تلك الآليات: برلمان أوروبي وسياسة خارجية موحَدة، سوق مشتركة، عملة موحدة، محكمة أوروبية للنظر في النزاعات وحلها، وإطار عسكري ممثل بحلف الناتو.
ماذا لدى العرب من هذه الآليات؟ على الورق ثمّة مؤسساتٌ عربية اتحادية، وحتى اتفاقية دفاع مشتركة واتفاقية سوق واحدة وسواها، ربما ما يفوق أي تجمّع إقليمي من مؤسّسات وهيئات، لكن ما الفائدة إذا كان معظمها معطّلا أو لم يجر تفعيله، أو لا يجري التعامل بجدّية معه.

لا تبدو محاولة الجزائر التأكيد على أولوية القضية الفلسطينية ضمانة لخروج القمة بنتائج فارقة عما قبلها

ولن تجترح قمة الجزائر المعجزات في ظل ارتباط سياسات جزء كبير من الدول العربية بمصالح أطراف خارجية أكثر من ارتباطها بالمصالح العربية، وخصوصا في هذه المرحلة، حيث تنخرط أربع أو خمس قوى إقليمية ودولية، وربما أكثر، في التدخل بالشأن العربي بشكل مباشر وعبر قواها العسكرية، وتكاد تتحكّم بتوجهات (وسياسات) الدول التي تتدخل بها وتقرّر شكل تفاعلاتها وترسم لها المسارات التي على أنظمتها السير بها!
هل يكفي أن ترفع الجزائر شعار "لمّ الشمل العربي" لضمان نجاح القمة العربية التي تستضيفها؟ لا يبدو أن هذا حتى مجرّد رهان، إذ جاءت جميع القمم العربية في سياق أزمات بين أطرافها، ومن دون الإعلان عن هدف لمّ الشمل العربي، فإن تلك القمم قد سعت فعلاً، بدرجة أو أخرى، إلى تحقيق هذا الهدف، لكن شيئا من هذا القبيل لم يحصل، فلا استطاعت القمم مصالحة العراق وسورية ثلاثة عقود، ولا مصالحة ليبيا والسعودية، ولا منع العراق من اجتياح الكويت. ثم ألم يكن الأوْلى بالجزائر طي خلافاتها مع المغرب، أو على الأقل الاتفاق على آليات لمعالجة هذه الخلافات، حتى يكون لشعار لمّ الشمل العربي مصداقية؟ ويبدو أن هذا هو تحديدا ما يضعف إمكانية نجاح القمّة في الجزائر، إذ ليس خافياً أن عدداً لا بأس به من الدول العربية تميل إلى الموقف المغربي وتتعاطف معه، في ظل تقارب الجزائر مع إيران.
كما لا تبدو محاولة الجزائر التأكيد على أولوية القضية الفلسطينية ضمانة لخروج القمة بنتائج فارقة عما قبلها، فأطراف عربية كثيرة صنعت مساراتها الخاصة للعلاقات مع إسرائيل في العلن، ووضعت خططا صريحة لتطوير هذه العلاقات وتزخيمها وتحويلها إلى علاقات طبيعية كاملة. وبالتالي، ما الذي ستقوله الجزائر لهؤلاء، وكيف ستقنعهم بإعادة رسم أولوياتهم، وبالأصل ماذا لدى الجزائر بهذا الخصوص، باستثناء المصالحة بين قطبي النزاع، حركة حماس والسلطة الفلسطينية، المصالحة التي لا يتوقع المراقبون أنها ستأتي بثمار مهمة! هل لدى الجزائر برنامج لدعم المقاومة الفلسطينية أو دعم صمود الفلسطينيين في مواجهة سياسات إسرائيل الاقتلاعية، برنامج مالي ودبلوماسي؟

ستقتلنا تخمة قرارات القمم العربية، فيما لم تستطع الدول العربية إلغاء تأشيرات السفر المسبقة بينها

في الواقع، لا قمّة الجزائر هذه، ولا أي قمّة ستعقد بعد عقد أو حتى عقدين، ستكون لها نتائج مهمة وفاعلة، حيث ستكرّر أي قمّة تجميع العناوين العربية التقليدية، مثل إعادة التأكيد على مبادرة السلام العربية، والدعوة إلى التوصّل لتسويات في دول الصراعات، سورية وليبيا واليمن، والتنديد بالإرهاب والدعوة إلى عدم خلطه بالإسلام وهكذا، ولكن من أين يأتي المواطن العربي بعقل صافٍ وفكر رائق لسماع مثل هذه القوالب البروتوكولية، هذا المواطن الذي يحقّ له أن يقول كفى ستقتلنا تخمة قرارات القمم العربية، فيما لم تستطع الدول العربية إلغاء تأشيرات السفر المسبقة بينها، بينما نشهد، على وسائل التواصل الاجتماعي، كيف يجري إذلال عمّال عرب في دول عربية من دون وجود طريقة تساعدهم للحصول على حقوقهم وحفظ كراماتهم.
ليست القمّة العربية سوى ناد يجتمع به الحكام العرب، ربما للفضفضة عن همومهم، الشخصية وليست العامة، أو للنميمة على بعضهم، أو محاولة لدرء مخاطر تحيق بهم من أقرانهم، وربما مجاملة للطرف الذي يستضيف القمة، إذ ليس سرّا أن جهود الطرف المضيف غالباً ما تتركز على تأمين حضور وازن من الزعماء والقادة، وكلما تجاوز عدد هؤلاء الـ15 يمكن للدولة المستضيفة المفاخرة بنجاح قمتها، أما المخرجات والقرارات فلا مشكلة فيها، فهي بالإضافة إلى أنها تُكتب في الغالب قبل يوم انعقاد القمّة، فإنه يمكن الاستعانة بأرشيف قرارات القمم السابقة واختيار التي تحظى منها بتوافق دائم، ما دامت المقادير تسير وفق أعنتها، لا وفق توافقات وتسويات تنتجها القمّة وتتوصل إليها.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".