ولا عزاء لزهرة

ولا عزاء لزهرة

18 نوفمبر 2021

(صفوان دحول)

+ الخط -

مخجل ومسيء وجارح أن يجد المرء نفسَه مضطرّاً إلى أن يثبت للآخرين، غير المعنيين، طبيعته الجسدية التي لا تتناسب ومقاييسهم المعتادة أو معاييرهم العامة، وإلا فإنه سيكون متهماً بعكس ما يدّعيه، حتى وإن حمل أوراقاً ثبوتية تؤيد ادّعاءاته، على سبيل المثال.

لا أعرف بأيّ شعورٍ تعاملت لاعبة كرة القدم الإيرانية، زهرة قدائي، مع حالة التنمّر الجماعي التي سادت الأوساط الرياضية والإعلامية، أخيراً، بعد تشكيك اتحاد كرة القدم الأردني في حقيقة جنسها، إثر خسارة منتخب الأردن للنساء أمام نظيره الإيراني، وعدم تأهله في بطولة أمم آسيا 2022.

نقل عن اللاعبة، الماهرة في رياضتها على ما يبدو، تصريحاتٍ قللت فيها من شأن حالة التنمّر التي يبدو أنها اعتادتها، وأنها لا تعطي لمثل تلك التعليقات المسيئة أي اهتمام. لكنني لا أظن أن تصريحاتها تلك تعبّر بدقّة عمّا يمكن أن يعتمل في أعماق إنسان اعتاد أن يواجه تنمّراً واسع النطاق، لمجرّد أن تكوينه الجسدي لم يعتده كثيرون في سياق جنسه، خصوصاً أن التنمّر أتى هذه المرّة إثر شكوى أو استفسار رسمي من الفريق الخصم، عزّزته لقطات فوتوغرافية للاعبةٍ ركّزت فيها العدسة على بعض أجزاء من جسدها، مصحوبة بتعليقاتٍ شديدة الاستفزاز، وكلها تنطلق من منطلقٍ مادّي لا علاقة للاعبة به، فلم يتلفت أحدٌ، على سبيل المثال، إلى أدائها في الملعب، ولا إلى أي شيءٍ آخر، يمكن أن تكون هي مسؤولة عنه مباشرةً. والغريب أن كثيرين، من جنسياتٍ وأعمارٍ وثقافاتٍ ودياناتٍ وشرائح مختلفة، شاركوا في نسج شبكة التنمّر العالمي، التي أرادوا أن يصطادوا فيها اللاعبة من دون أي ذنبٍ لها، وبلا أي رادع أخلاقي ولا مبدئي. ولم يكفّوا عن تنمرهم الذي أتى ساخراً جارحاً مهيناً، حتى بعد الكشف عن نتيجة التحقق من جنس اللاعبة.

اعتمدت شبكة التنمّر على زهرة قدائي على تلميح بعض المراقبين في الملاعب إلى أنها قد تكون ذكراً متنكّراً بهيئة امرأة، وذلك إثر تداول صور لها على شبكات التواصل الاجتماعي، ركّزت على ملامحها وعلى شعرها القصير الذي بدا، في إحدى الصور، بعد أن انزاح عنه غطاء الرأس قليلاً، وهذا يشير إلى أن التنمّر تجاوز حدوده، ليصل إلى نوع من التحرّش العكسي أو المضادّ بامرأة على سبيل استباحة خصوصيتها الجسدية، وحرّيتها في التعامل مع هذا الجسد، وفقاً لطبيعته التي خلقها الله. أما أسوأ ما يمكن رصده في حفلة التنمّر والتحرّش الجماعي بزهرة قدائي، فهو تورّط عدد كبير من الإناث بها، والتشارك مع الرجال في استخدام اللغة ذاتها، بل واستعارة التوصيفات الذكورية المغرقة في بشاعتها، بتوصيف جسد المرأة وتكوينه الخاص.

نتيجة الفحص والتحقيقات التي اضطرّت اللاعبة إلى أن تخضع لها، بسبب القوانين التي لم تطبق على غيرها للأسف، أثبتت أنها امرأة فعلاً، لكن هذا لم يمنع الشبكة من التوسّع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل أصبحت تلك النتيجة عذراً لمن تنمّر، وأراد التنصّل من فعلته، فأصبح يبرّرها بأن أنوثة زهرة لم تثبت إلا بعد الفحص الطبي، وهذا يعني أن للجميع الحق في التشكيك المؤدّي إلى السخرية الجارحة!

زهرة واحدةٌ من حالات كثيرة، ما بين رجال ونساء، تتعرّض دائماً لمثل هذا الاعتداء عليها، لأسباب ليسوا مسؤولين عنها، لا من بعيد ولا من قريب، ولكنهم مع هذا مطالبون بقبولها على سبيل الاعتياد والإقناع بقوة الشخصية مثلاً، مع أن ما يحدث لهم جريمة حقيقية أدّت بكثيرين منهم إلى المعاناة النفسية المستمرة أو حتى إلى الانتحار. فهل ستكون حالة زهرة مع ما صاحبها من دعاية دولية واسعة قبل التحقق من جنسها وبعده درساً لكل هؤلاء المتنمرين في مختلف دول العالم؟ أظن أن زهرة ستكون سعيدة فعلاً لو حدث هذا، وسيكون عزاءً جيداً لنا نحن المتعاطفين معها، أما هي فلا عزاء مناسباً لها!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.