وكلاء حصريون للمقاومة
ثمّة نماذج مشوّهة تتوهم في نفسها الأفضلية والتفوّق والمثالية والالتزام في سياق مقاومة العدو الصهيوني، وتعطي نفسها الحقّ، بكل صفاقة، بممارسة الوصاية الجبْرية على الآخرين، بحجّة احتكار الوطنية. رغم أن مساهمتهم في فعل المقاومة لا تتجاوز نطاق اللغة، إلا أنهم بارعون في إطلاق الشعارات الحماسية التي تلعب على المشاعر، من دون أن يقدّموا على أرض الواقع مساهمةً تُذكر سوى الجعجعة والزعبرة والتفجّع واللطميات وادّعاء النزاهة والزّهد والصدق والوضوح. وهم في واقع الأمر مدّعون انتهازيون، يتقنون ركوب موجة المقاومة تلميعاً لأنفسهم، وتزييفاً لحقيقتهم. يكتفون بالنضال من خلف الشاشات في مكاتبهم الفارهة، بعد ان ينتهوا من أعمالهم وصفقاتهم ومشاريعهم، مطمئنّين إلى أرصدتهم المتضخّمة في البنوك.
يزايدون علينا بكل وقاحة بحبّهم فلسطين، وكأنها تخصّهم وحدهم، وبحزنهم على ما يجرى في غزّة من مجازر، حصدت آلاف الارواح، وكأننا غير معنيين مثلهم بأوجاع الأهل المتروكين تحت العراء.
يتصوّرهم غير العارف، إثر تصريحاتهم النارّية، ممتشقين أسلحتهم ومرابطين على جبهة القتال، في حين أن أحذيتهم البرّاقة اللامعه لم يمسّها حتى الغبار، بل يكتفون بالتنظير والتفلسف وادّعاء المعرفة ببواطن الأمور، علماً أن مصادر معرفتهم تنحصر في بعض القنوات الإخبارية الكاذبة والمضلّلة التي تبيع الوهم للسذّج العاطفيين من عبدة الطغاة.
لا يتردّد هؤلاء في توجيه التهم، بل والتخوين، لمن يخالفهم في النهج والقناعة، ما يدلّ على ضحالةٍ وضيق أفق وسطحية واستعراض. وتشهد مواقع التواصل على طروحاتهم الفجّة العدائية غير الناضجة. ليس لديهم القدرة على تقبّل الآخر الذي لا يشبههم في طرق التعبير، ولا يتفق مع أسلوبهم التخويني البائس. ولا يتوانون عن انتقاد الآخرين بشكلٍ جارحٍ وغير لائق. يمنحون صكوك الغفران لمن يشاؤون، ويتهمون من يختلف في طريقة تعبيره عن مواقفه السياسية ممن لا يعمد إلى الاستعراض وفرد العضلات والبلطجة اللفظية، بزعم الحميّة والغيرة على الوطن، من خلال افتعال الخلافات والخوض في نقاشاتٍ سياسيةٍ عقيمةٍ، لا تخدم سوى ذواتهم المتضخّمة المتورّمة في وقت مصيري يتطلب أعلى درجات الوعي بما يحيق بنا من مخاطر وأهوال ومحن.
فهمنا، أيها البطل الافتراضي، أنك مناضلٌ شرس، وأنك مثل شعبان عبد الرحيم "بتكره إسرائيل". ... برافو عليك، والله يعطيك العافية على صمودك في الجبهة، وتضحيتك بنفسك ومالك ووقتك فداء فلسطين ولبنان. بدّعت والله، على أساس أن الآخرين من "عشّاق إسرائيل"! لكن ذلك لا يعطيك الحقّ، بأي حال، في التشكيك بوطنية مخالفيك في الأسلوب، لأن بعضهم لا يميل الى اللطميّات التي تتقنها ببراعة. هناك من يعمل بصمت يقدّم ما استطاع إليه سبيلاً، على مستوى الكلمة الحرّة النزيهة والدعم المادي والمعنوي ضمن إمكاناته البسيطة، ويتبنّى قضية فلسطين ولبنان بجوارحه كافة، من دون عنتريات فارغة باتت مكشوفة لكل ذي عقل رشيد.
إياك أن تصدّق لحظةً أنك أفضل أو أكثر وطنية، بسبب لسانك السليط وتهجّمك على الشرفاء ومحاولتك المسّ بمدى انهماكهم بقضايا أمتهم، حتى لو لم يحذو حذوك في التطاول والتشكيك واعتماد أسلوب الإثارة وترويج الأكاذيب، فأنت وأمثالُك ممن يطرحون أنفسهم رموزاً حصرية للمقاومة، لستم أكثر من ظواهرصوتية بائسة، حتى لو تبنّيتم أشرف الشعارات. لن تنطلي أساليبكم على من له القدرة على التمييز بين الغثّ والسمين، فأنتم مثل بقيتنا تمارسون حياتكم بشكل طبيعي، تسافرون وتحضُرون الأعراس وتقيمون الولائم وتتذوقون جماليات الطبيعة، رغم الهول الذي نعيشه، لأن الاعتياد حتى على أبشع الظروف من طبيعة البشر، فالواحد منا قد يدفن أباه، ثم ينضم إلى المعزّين على مأدبة عامرة، ويأكل بشهية رغم أحزانه الكبيرة.
وعليه، "خفّ علينا شوي الله يرضى عليك"، فأنت وأمثالك لستم الوكلاء الحصريين للنضال والمقاومة.