"وسام أمية ذو الرصيعة" للمواقف الرقيعة

"وسام أمية ذو الرصيعة" للمواقف الرقيعة

06 نوفمبر 2022

بشار الأسد يقلّد نجاح العطار وسام أمية (31/10/2022/ حساب الرئاسة السورية في توتير)

+ الخط -

في حفلٍ رسميّ مهيب، في "قصر الشعب" بدمشق، في 31 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، قلّد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، نائبته نجاح العطّار "وسامَ أميّة الوطني ذا الرصيعة"، الذي يُعدّ من أرفع الأوسمة الرسمية في سورية، ويمنحه رئيس الجمهورية "لتقدير الأعمال المدنية والعسكرية العظمى"، وفق المرسوم الاشتراعي رقم 49 لعام 1934. وفي كلمةٍ ألقاها خلال الحفل، أشاد الأسد بشخصية العطّار وإنجازاتها ومواقفها "الوطنية"، وقال "إن الوسام لا يقلد اليوم للدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية ليمنحها مكانةً أو احتراماً تمتلكهما سلفاً، وإنما ليستمدّ الوسام منها القيمة والمقام والقدر والاحترام".

نجاح العطّار أوّل امرأة تتولّى منصباً وزارياً في سورية منذ الاستقلال، والأولى التي تُعيّن في منصب نائب الرئيس، ليس في سورية فقط، بل في البلدان العربية كافّة. إلى ذلك، انطوت سيرتها على قدر كبير من المفارقات، ما دفع بعضَهم إلى تسميتها "سيدة التناقضات"، فهي كانت أقرب إلى التوجهات اليسارية خلال سنوات دراستها الجامعية مطلع خمسينيات القرن الماضي، على الرغم من نشأتها في واحدة من الأسر الدمشقية الدينية المحافظة. وفي دولة نصّ دستورها على قيادة "حزب البعث العربي الاشتراكي" الدولةَ والمجتمع، وجعل من أيديولوجية "البعث" عقيدة للدولة، لم يكن أمراً عادياً تولّي سيّدة غير بعثية وزارة الثقافة سنة 1976 (استمرّت في منصبها حتى عام 2000). وتبلغ المفارقة ذروتها في أنّ هذه السيدة شقيقة عصام العطّار، المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، التنظيم الذي كان خصم نظام البعث والسلطة الأسدية الأبرز، حتى صار تاريخ صراعهما الدموي علامةً فارقة في التاريخ السوري المعاصر.

ليس غريباً أن تنال العطّار هذا التكريم من سيّدها، الذي سبق لها وصفه بـ"عظيم الأمة وقائد كفاحها وصانع انتصاراتها"، فهي من الشخصيات الأطول عهداً في خدمة نظام الأسد في طَوريه، خلال تولّيها وزارة الثقافة نحو ربع قرن في عهد حافظ الأسد، أو في منصبها الحالي نائبةً لوريثه، منذ مارس/ آذار 2006. لكنّ ما يبدو مُستغرباً، فعلاً، أنّ تبجيلها المفرط للأسدَين، وتسطيرها المدائح لهما، لم يمنع رهطاً من السوريين المشتغلين في ميادين الفكر والثقافة، اعتادوا إظهار أنفسهم بعيدين سياسياً عن النظام وأقرب إلى المعارضة، من توقير العطّار، وتأكيد ما يُنسب إليها من دور إيجابي، في تنمية الثقافة في سورية، حسب رأيهم.

السبب الحقيقي وراء تقليد نجاح العطّار وساماً رفيعاً يكمن في إخلاصها المزمن لآل الأسد

في كل الأحوال، واهمٌ من يظنّ أنّ تكريمَ العطّار مرتبطٌ حقاً بـ"إنجازاتها" في الحقل الثقافي. ذلك أنّ نظام الأسد، وعلى مرّ استبداده المديد، لم يهتم لأمر الثقافة أو المثقفين إلّا شكلياً، وبالقدر الذي يخدم سلطته، سواء لجهة توفير الغطاء الأيديولوجي، أو من أجل تلميع صورته، بل إنّ مثقفين كثيرين ينتمون إلى مختلف حقول الإبداع والفكر والفن دفعوا ثمن معارضتهم النظام اعتقالاً أو تهميشاً أو نفياً، من دون أي اعتبارٍ لأهمية منجزهم الثقافي أو مكانتهم الرمزية، ومن دون أن يرفّ جفنٌ أو تنبس شفة للوزيرة الموقّرة، التي لم يثنِها عن وقوفها في صفّ النظام نفيُ أخيها عصام واغتيال زوجته بنان الطنطاوي، على يد قَتَلة من مخابرات الأسد، أرادوا استهداف الزعيم الإخواني في منفاه، في مدينة آخن الألمانية الغربية سنة 1981. وبعد كلّ ما جرى ويجري في البلاد منذ مارس/ آذار 2011 لم تكفّ العطار، في كلّ ظهور لها أمام الكاميرات، عن تكرار سردية النظام عن "المؤامرة" و"الإرهاب" و"المقاومة"، مع إطنابها في كيل المديح وعبارات التعظيم لبشار الأسد.

ومن ثمّ، السبب الحقيقي وراء تقليد العطّار وساماً رفيعاً إخلاصها المزمن لآل الأسد، ويبدو أنّ العبارات التي تعبّر عنه لم تنضب من يراع العطّار بعد، فحفل التكريم جاء بعد أيام من الإعلان عن صدور كتابها الجديد "الرئيس الأسد مسيرة من البطولة والتضحيات"، وكتبت فيه "إنّ شعلة النضال والتضحيات التي رسمها الرئيس الأسد بكفاحه المتواصل ينبغي أن تبقى متوهّجة في النفوس، وإشراقة الأمل التي غرست ينبغي أن تلازم الكفاح مهما كانت آلام الجراح، الرئيس الأسد في المواقف والتضحيات دافع عن وطننا وشعبنا وأمتنا، وعاش معنا وبنا، يصوغ تطلّعاتنا وآمالنا ويعمل على تحقيقها وترسيخ قيمنا وتعزيزها، وبذل أقصى ما يستطاع، انتصاراً لعروبتنا وقضاياها ولجوهرها قضية فلسطين". كيف لهذه السيدة التي تقترب من عامها التسعين، وهي تشهد دمار بلادها، وتشريد أكثر من نصف شعبها، ورزوح النصف الآخر منه تحت خط الفقر وعلى حافّة المجاعة، كيف لها أن تصف المسؤول الأول عن كل هذا الخراب بـ"صاحب المكرمات والبطولات"؟ أم أنّ "الوسام ذا الرصيعة" يتطلّب التمسّك بمواقف رقيعة كهذه؟