واشنطن وطهران أو الانتقال من الحرب إلى السلام

25 ابريل 2025
+ الخط -

بعد سنوات من تصاعد التوترات والمواجهات الساخنة عبر الحلفاء والوكلاء، تجلس إيران والولايات المتحدة على طاولة المفاوضات وجهاً لوجه، وكل منهما يضع يداً على الزناد، والأخرى تحمل القلم للتوقيع على "صفقة"، ستكون تأثيراتها ذات أبعاد تاريخية، لأن الخلاف بين الطرفين يمكن تسميته ببساطة بالمعضلة التاريخية. وبقدر ما يظهر الطرفان جنوحهما نحو التسوية أحياناً، يتكشف في الخلفية أنهما يتحضّران بجدّية للحرب في كل حين.

تدرك إيران أنّ التفاوض مع إدارة الرئيس الأميركي ترامب هو غير التفاوض مع إدارة باراك أوباما، الذي وقع اتفاقية "خطّة العمل الشاملة المشتركة" معها في العام 2015، إلى أن انسحبت منها واشنطن في 2019 بقرار من الرئيس ترامب، من هنا تأتي أهمية المفاوضات التي انطلقت أخيراً، خصوصاً بعد إعلان ترامب سعيه ورغبته في إحلال السلام وإنهاء "الحروب الأبدية" سواء في أثناء حملته الانتخابية أو في خطاب القسم.

كانت إيران قد أعلنت في وقت سابق على تصريحات ترامب، استعدادها للتفاوض على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة، حين انتخب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الصيف الماضي، ودعم هذا الأمر آنذاك المرشد الأعلى علي خامنئي، لكنّ هذا تبدّل حين وقع ترامب مذكرة رئاسية تفرض عقوبات الضغط الأقصى على إيران في الشهر الماضي (مارس/ آذار)، حينها أعلنت القيادة الإيرانية التراجع عن الاستعداد للتفاوض، وقال الرئيس بزشكيان إن بلاده لن ترضخ للضغوط الخارجية وإن "لغة التهديد والإكراه غير مقبولة إطلاقاً، ولا يأتي أحدهم ويقول لا تفعل هذا، لا تفعل ذاك، وإلا لن آتي للتفاوض معك، إذن افعل ما تشاء". ولكنّ المفاجأة كانت حين أعلن الرئيس ترامب أنّ الولايات المتحدة وإيران ستلتقيان لإجراء "محادثات مباشرة"، وأنّ مبعوث ترامب ستيف ويتكوف سيقود الوفد الأميركي، بينما يقود وزير الخارجية عباس عراقجي الوفد الإيراني.

على الرغم من التهديدات المتبادلة بين الطرفين وتصريحات الإيرانيين المتواصلة، لا سيما في أثناء حرب غزّة الراهنة عن الرد القاسي في حال جرى استهداف منشآتها النووية والعسكرية، إلا أنها لطالما تركت الباب موارباً للعودة إلى طاولة التفاوض، لا سيما أنّ الولايات المتحدة لم تستهدف إيران بشكل مباشر، وإنما عن طريق إسرائيل التي تترقّب حالياً ما يجري بين الطرفين بعد مفاجأة رئيس وزرائها بعودة الحديث عن احتمال عقد صفقة حول الملف النووي.

تدفع المؤشّرات والعوامل في اتجاه العمل على إنجاح المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، بعد الجلسة الأولى التي اعتبرت جلسة اختبار نيات الطرفين نجحا في تجاوزه

مع استعداد إيران للتفاوض على قيود على برنامجها النووي يمكن التحقق منها، مقابل تخفيف العقوبات وفتح الباب أمام عودة العلاقات مع الغرب، إضافة إلى أنّ طهران أكّدت أنها لا تملك برنامجاً للأسلحة النووية، وهو تأكيد تتفق معه أحدث المعلومات الاستخباراتية الأميركية، كذلك كشف التقييم الأميركي السنوي للتهديدات لعام 2025 الذي نشر أخيراً عن مجمع الاستخبارات، أنّ إيران "لا تبني سلاحاً نووياً"، وأنّ خامنئي لم يُعد تفويض برنامج الأسلحة النووية الذي علّق في العام 2003.

وبصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، تتمتّع إيران بحق غير قابل للنقض في برنامج مدني سلمي يستخدم الطاقة النووية، وهو ما تصّر عليه، ولن تتنازل عنه باعتباره حقاً مكفولاً بموجب القوانين الدولية ونص المعاهدة. لكنّ ثمّة مشكلة، إذ أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، أخيراً، أنّ موقف الولايات المتحدة أنّ على إيران تفكيك برنامجها النووي المدني، وقال إنّ الولايات المتحدة تطالب بـ"نزع البرنامج النووي بالكامل وإلا ستكون هناك عواقب".

وإذا أصّرت واشنطن، كما أشار والتز، على ضرورة تخلي إيران عن "برنامجها الصاروخي الاستراتيجي"، الذي يعتبر جزءاً من استراتيجيتها الدفاعية، ومن غير المرجّح أن تقبل إيران أن تتضمّن المفاوضات قوتها الصاروخية، وإلا سيعتبر ذلك عرقلة لمسار التفاوض بشأن الملف النووي تحديداً.

نعدّ عودة الولايات المتحدة وإيران إلى فتح باب المحادثات، وإن بشكل غير مباشر عبر الوسيط العُماني، تقدّماً إيجابياً ومهمّاً، لا سيما في ظلّ الأحداث المتلاحقة في الشرق الأوسط، وتحديداً في فلسطين، والتغيير الذي حدث في سورية نهاية العام الماضي مع سقوط نظام بشار الأسد الحليف التاريخي لإيران، رغم أنّ المراقبين يعربون عن تفاؤل حذر يبرّره التاريخ الطويل من توتر العلاقات بين الطرفين منذ انطلاق الثورة الإسلامية في إيران عام 1978.

ما سيحدّد فرص نجاح المفاوضات أن يقتنع الطرفان بأجندة حيوية، بمعنى المرونة، ومسؤولية واشنطن في هذا التوجّه أكبر من مسؤولية إيران، وإذا استمرّت المفاوضات محصورة حول القيود القابلة للتحقق على البرنامج النووي السلمي المدني الإيراني، فستمضي نحو النجاح. أما إذا أصرّت إدارة ترامب على تفكيك البرنامج النووي المدني القانوني لإيران بالكامل، فسوف تفشل. وهذا ليس من مصلحة الولايات المتحدة ولا إيران بالتساوي، وخلفهما منطقة الشرق الأوسط والعالم على الأرجح، فالمفاوضات التي بدأت بين الطرفين تجري في ظل تغيّر في موازين القوى والتحالفات الدولية عمّا كانت عليه في السابق، فضلاً عن تغير مواقف دولٍ كثيرة لا سيما دول الخليج التي لم يعد من مصلحتها ولا هي راغبة في ضرب إيران وزيادة التوتر في المنطقة، الأمر الذي سينعكس سلباً على أوضاعها الأمنية والاقتصادية على حد سواء، وما الوساطة العُمانية (الخليجية) إلا مؤشر على رغبة الدول بتهدئة الأوضاع والتوصل إلى صفقة بين الطرفين ستكون صفقة القرن إن تمت، وأنهت الصراع المحتدم منذ عقود بين كل من الولايات المتحدة وإيران.

 بصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، تتمتّع إيران بحقٍّ غير قابل للنقض في برنامج مدني سلمي يستخدم الطاقة النووية، وهو ما تصّر عليه

بينما تحضُر روسيا والصين في المشهد، فقد شهدت العلاقات الإيرانية الصينية تحسّناً كبيراً في السنوات الأخيرة، وصل إلى حدود الشراكة والتفاهم، مع رفض الصين استراتيجية الضغط التي تمارسها الولايات المتحدة على إيران، واستمرارها بشراء النفط الإيراني وعدم تقيدها بالعقوبات المفروضة من واشنطن، وصولاً إلى توقيع الصين وإيران اتفاقية تعاون استراتيجي مدتها 25 عاماً، في مارس/ آذار عام 2021، لذلك يبدو جلياً دعم الصين وترحيبها بعودة المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، لأن من شأن احتمال الفشل والدخول في حرب بين الطرفين أن يؤدّي إلى كوارث اقتصادية كبيرة في حال إغلاق مضيق هرمز الذي قد يسبّب انهيار الاقتصاد العالمي بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط حينها. وليست روسيا بعيدة عمّا يجري في الشرق الأوسط، رغم انشغالها بالحرب الأوكرانية، إذ تربطها علاقات استراتيجية مع إيران، وسبق أن وقّع الطرفان اتفاقيات في عدة مجالات، منها الاقتصاد والنقل وغيرهما من مجالات من شأنها أن تتأثر سلباً أو إيجاباً مع نجاح أو التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي أو فشله.

تدفع كل تلك المؤشّرات والعوامل في اتجاه العمل على إنجاح المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، بعد الجلسة الأولى التي اعتبرت جلسة اختبار نيات الطرفين نجحا في تجاوزه، وما تلاها من محادثاتٍ وصفت "بالبنّاءة" وتحديد مواعيد جديدة بما يشبه خريطة طريق لمواصلة المناقشات الفنية والتقنية، كلها تؤشّر إيجابياً لتمهيد الطريق لعقد "الصفقة" المرتقبة، وإن بدت إسرائيل في خلفية المشهد قلقةً مما يجري، بسبب رغبتها في القضاء على أية قوة تهدّد أمنها في المنطقة، إلا أنّ إدارة ترامب قادرة على كبح جماحها وتقييدها، لأن من شأن أي اتفاقٍ ستتمخض عنه المفاوضات أن يحلّ السلام في المنطقة أو على أقل تقدير يبعد شبح الحرب.

ميادة سفر
ميادة سفر
محامية وكاتبة من سورية.