وأحلى أبو إيفانكا

وأحلى أبو إيفانكا

29 نوفمبر 2020
+ الخط -

شارك قسم كبير من الإخوة السوريين في الانتخابات الأميركية مشاركةً فعالة. انقسموا، منذ الأيام الأولى لإعلان الترشيحات، إلى فريقين متخاصمين، واحد مع دونالد ترامب، والثاني مع جو بايدن.. ومع أنهم لم يعيشوا، طوال حياتهم، أي نوع من الانتخابات الرئاسية، ولا يحلمون أن يعيشوها في المدى المنظور، إلا أنهم انخرطوا في الانتخابات الأميركية، قرأوا استطلاعات الرأي، وذبذبات التقدّم والتراجع في شعبيتي ترامب وبايدن، واستمعوا إلى التصريحات، والتحليلات، والمواجهات بين الحزبين الأميركيين الكبيرين، وتابعوا التدخلات الأجنبية المخفية، والمناظرات العلنية بين المرشحيْن اللذين تجاوزا السبعين من العمر، وفتحوا خطوطاً تلفزيونية ساخنة لتغطية هذا الحدث العظيم.
الأحلى من ذلك، والأظرف، أنهم نقلوا ثقافتهم الانتخابية إلى الميدان الأميركي، ففي انتخابات مجلس الشعب السوري، أجلّكم الله، يشتبك المرشّحون في منافساتٍ ذات طبيعة دابكة، يجري ضبطُ إيقاعها بالطبل والزمر، ويدور المرشّحون على الناخبين الموجودين في مدن المحافظة وبلداتها وقراها، بسياراتٍ عُلقت صورهم على زجاجها الخلفي بجوار صورة جماعية لباسل وبشار وماهر الأسد، المتقنعين بنظاراتٍ سوداء، وقد كتبوا تحتها "هكذا تنظر الأسود"، وكل مرشح يكتب اسمه تحت صورته، ويضع لقبه بين قوسين: أبو فلان، أبو علان، أبو زعيربان.. وبالقياس عليها، أطلقوا على جو بايدن لقب "أبو البيد"، وسمّوا ترامب "أبو الترّ". ومع أن العروبي لا يقبل أن يُنسب لأمه أو ابنته (ابن فلانة، أو أبو فلانة)، إلا أنهم كانوا يدلّعون دونالد ترامب بلقب أبو إيفانكا، فتسمع أحدَهم يقول بثقة عجيبة: تعال تفرّج على عمّك أبو إيفانكا عندما سينجح في الانتخابات، ويصبح رئيساً لدورة تانية، كيف سيخبط بشار الأسد بكم صاروخ كروز وكم طائرة مسيَّرة درون ويخليه يستجير بالأولياء والمرسلين، أو تظن أن إيران الفارسية الشيعية ستنجو من غضب أبي التر؟ لا، عليَّ الطلاق، هذه المرّة سيجعلها تخرج من سورية رَكْضاً وهي تتلفت وراءها!
ويردّ عليه العروبي الثاني، طالباً منه أن يسكت، لأنه لا يفهم بالسياسة، ولا بالحماسة، ولا بقرقعة الطاسة.. عمّك أبو البيد لا يقل كراهية لبشار الأسد عن مرشّحك الأهوج ترامب، ولا تنسى، يا حبيبي، المثل الشعبي: البحر الهادي يغرّق الوادي... وصحيح أن أبو البيد في سن الـ 78، ولكنه مُدوزن على البحر الثقيل، وسوف يعين وزير خارجية إذا تراءى له بشار الأسد في الماء تعاف نفسُه الماء، ولن يكون تشتوشاً فيضرب مطار الشعيرات وهو فارغ، ولا تقبل منه غير يضرب القصر الجمهوري بالتحديد.
وتنتهي الانتخابات الأميركية، ويذهب الأميركان إلى بيوتهم ليتبوّلوا ويناموا. والسوريون لا يقبلون بانتهائها، فالبايدنيون يحتفلون بالنصر، ويعقدون الدبكات، ويطلقون النار في الهواء، والترامبيون يحلفون الأيْمان المغلظة أن ترامب لن يرفع الراية البيضاء: أراهنك على أن الأشقر الأحمر أبو إيفانكا لن يفضّ هذه السيرة على خير، فإن ربحتُ الرهان تعطيني أسطوانة غاز بالسعر الرسمي، وإذا ربحتَه أنت أشيلك على ظهري وأمشي بك في سوق الخانات، وأشتري لك ربطة خبز على حسابي! أتعلم ماذا سيفعل ليحتفظ بالرئاسة؟ سوف يُنزل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة إلى ساحات نيويورك، ويحتل البيت الأبيض، ويذيع البلاغ رقم واحد. وإذا يفعلها أراهنك على إنه سيضرب المفاعل النووي الإيراني، وتعلق أميركا بحرب عالمية، على أثرها تلغى الانتخابات، ويعتبرونه بطلاً قومياً ويتركونه رئيساً مدى الحياة. 
إذا أنتَ سألتَ الإخوة السوريين المنخرطين في انتخابات أميركا عن سبب هذا الاهتمام كله، فسيجيبونك بصوت واحد: لأجل سورية. ووقتها ما عليك إلا أن تُحوقل، وتستغفر، وتقول لهم إن سورية تُذبح منذ عشر سنين، ولم تبق دولة في قارّتي أميركا وأوروبا لم يجر فيها انتخابات ويتغير رئيسُها، ولم نر رئيساً، أو وزيراً، أو ملكاً، يدقّ على صدره ويقول: أوقفوا ذبح هذا الشعب الغلبان.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...