هيئة التنسيق السورية تستنجد بالجيش

01 يوليو 2014
+ الخط -

من المستغرب أن يمر البيانُ الذي أصدرتْهُ "هيئةُ التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية"، قبل أيام، مرورَ الكرام. لم يناقشه أحدٌ سوى بعض البوستات الفيسبوكية الغاضبة التي نشرها أشخاص ثوريون لا تعجبهم سياسات هذه "الهيئة" بشكل عام.
تَضَمَّنَ البيان استنكارَ "الهيئة" الانتهاكات والممارسات التي يقوم بها تنظيما "داعش" وجبهة النصرة، والمجموعاتُ المواليةُ لهما، بحق المواطنين السوريين، ثم توجيه دعوة صريحة لـ "الجيش العربي السوري" بأن يقوم بواجبه الوطني في حماية حدود البلاد وأمن وسلامة المواطنين!
بالعودة قليلاً إلى الوراء، نقول إن هيئة التنسيق الوطنية تأسست في دمشق، أواسط سنة 2011، وهي تتألف من مجموعة "رجال" يقودون أحزاباً وتنظيمات سياسية عُرفت، تاريخياً، بيساريّتها وراديكاليتها في معاداة النظام السوري المستبد.
وكلمة "الرجال"، هنا، ليست لتمييز مؤسسي الهيئة عن "النساء"، بل لأن الجنرال حافظ الأسد، ووريثه بشار قد سجناهم، في السنوات الأربعين الماضية، جماعاتٍ وفرادى، فترات تراوحت بين عدة أشهر وخمس عشرة سنة، من دون الاحتكام لأي قانون، أو دستور، أو ناموس، سوري، أو عربي، أو عالمي... وفي المأثور الشعبي السوري قولٌ ينص على أن: "السجن للرجال"!
ولكن، ومع اعترافنا، واعتراف نظام الأسد نفسه، بأنهم "رجال"، لا بد لنا من التكهن بأن فترات السجن الطويلة أضعفتْ ذاكرتهم، وأن الأحداث الدامية التي تَشْهَدُها بلادُهم الحبيبة سورية، منذ ثلاث سنوات ونيف، قد أذهلتْهم، أو، بلغة الحشاشين، "سَطَلَتْهم"، فأصبح حالُهم كحال المطربة شادية، حينما غنت "لو عازْ أبويَ فنجال قهوة أعمللو شاي وأسقيه لأمي- وخيالَك يجي على سَهوة ما افرقش ما بين خالتي وعمي!"
ذُهِلَتْ هيئةُ التنسيق، و"انسطلت". نعم، بدليل أنها نسيت تاريخ الجيش العربي السوري، وغاب عن ساحة وعيها أنه تحول، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1970، من جيشٍ يُفترض به أن يحمي الوطن والشعب، إلى جيش ذي مهمةٍ لا ثانيَ لها، هي حماية النظام الحاكم في سورية، ولو تطلب منه الأمرُ قتلَ الشعب السوري كله، وتدمير الوطن فوق رؤوس ساكنيه.
لا يليق بي، أنا مُحْدَث النعمة في عالم السياسة، أن أعطي "الرجال" المخضرمين، أعضاء هيئة التنسيق، فكرةً مفادُها بأن هذا الجيش المولع بالانقلابات العسكرية هو الذي أطاح جماعة 23 فبراير/شباط، وجاءنا بالجنرال حافظ الأسد الذي يحمل مخططاً رهيباً، يقضي بتحويل سورية إلى جمهورية رعب عائلية وراثية.


وفي مطلع عام 1980، بدأ، أعني الجيش، يستبيح المدن السورية، بالأخص المدن الشمالية، كحلب وإدلب وحماة وجسر الشغور وقرى جبل الزاوية، ويقوم بما تسمى أعمال "التمشيط والتفتيش". ولعله من المفيد أكثر أن أحكي لهم، وأنا ابن إحدى المدن المستباحة، كيف كان المفتشون المُمَشِّطون يجمعون شبانَنا المشتبَهَ في عدم ولائهم لعائلة الأسد في شاحنات مكشوفةٍ، موثقي الأيدي خلف الظهور، ويشحنونهم إلى أحد ملاعب كرة القدم، وهنالك يُعدمون بعضهم، ويسوقون بعضهم إلى مقار الأفرع الأمنية، ليمضوا فيها السنين الطويلة، ويطلقون سراح من تبقى منهم، ممهورين بكدماتٍ ناتجة عن شدة الصفع واللكم والرفس والتعجيق.
لم يَرُق للقوى الجوية في الجيش العربي السوري الباسل، في هاتيك السنين العجاف، أن تقف متفرجةً على أختها القوات البرية، وهي تزيل حاراتٍ كاملةً من على وجه الأرض في مدينة حماة سنة 1982، من دون تمييز بين رجلٍ من ساكنيها وامرأة وطفل وجنين وخديج، فهبت لقصف سجن تدمر، المكتظ بمعارضي حكم حافظ الأسد!
وفي 1984، انقسم الجيش العربي السوري الباسل قسمين، أحدهما يوالي القائد التاريخي حافظ الأسد، والثاني يوالي القائد رفعت الأسد الذي تولى عملية تأديب الشعب السوري، وأدار كل قسم منهما سبطانات دباباته ومدفعيته على مدينة دمشق، وكانت مرشحةً لمجزرة "جيشية" تاريخية كبرى، لولا أن تدخل المحبون والعقلاء بين القائدين الكبيرين الشقيقين، وقرروا أن يدفع الأخُ الأكبر لشقيقه المتمرد ما يتوفر لديه، آنذاك، من أموال الشعب السوري، ليأخذها ويغادر، ويا دَار ما دخلك شر.   
ولأن الرجال الصناديد، قادة هيئة التنسيق، كانوا، وخصوصاً بين عامي 1980 و2000، يمضون أوقاتهم الحلوة في منتجعات تدمر وصيدنايا وسجون محاكم أمن الدولة، فربما لم يشغلوا أنفسهم بإحصاء عدد المرات التي تعرض فيها الجيش العربي السوري إلى اعتداءات نهارية صريحة، لا لبس فيها من الجيش الإسرائيلي، إنْ على الأراضي السورية أو اللبنانية، واحتفظت فيها القيادة التاريخيةُ بحق الرد لزمان ومكان وهميين، بينما ذهبت قطعاتٌ منه في1991 لتقاتل تحت إمرة أميركا زعيمة الإمبريالية العالمية، ضد ما يسمى في عقيدة الجيش العربي السوري العقائدي "قُطراً عربياً شقيقاً"! وخلال تلك السنوات العجاف كلها، لم تنقطع احتفالات الجيش في ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة، وكنا نرى، نحن السجناء في خارج السجون أسراباً من طائرات سلاح الجو، وهي تكتب في الجو كلمة "أسد"!
لو لم تكن الأقلام قد رفعت، والصحف قد جفت، لكنتُ حكيت لكم أشياء لا حصر لها مما أعرفه، وتعرفونه، ويعرفه الآخرون عن جرائم الجيش العربي السوري بحقنا، نحن المدنيين السوريين في السنوات الثلاث الماضيات، وأؤكد لكم أنه لم يكتف، ولم يرتو، فهو ماض في قتل الشعب، وتدمير البلد، لمصلحة نظام الأسد.
نعم. خطيرة هي التنظيمات الإسلامية المتطرفة على سورية.. أبصم لكم، والكل يبصم لكم، بالأنامل العشر. ولكن، ماذا عن قطعان الشبيحة التي تعتدي على الشعب في المناطق التي يسيطر عليها النظام؟
ماذا عن التنظيمات المتطرفة، حاملة الرايات السود التي تقاتل ضد الشعب السوري إلى جانب الجيش العربي السوري؟..
وكيف ومتى سيحمي الجيش السوري حدودنا؟ بعد عمر طويل؟
أرى وضعكم، في هذا النداء، يشبه حال المتنبي حينما أتاه خبر وفاة مولاه، فقال:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ
فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذبِ
أي نعم. أنتم تعرفون الجيش، وتاريخه، ورأيتم، وترون جرائمه، لكنكم تفزعون إليه بآمالكم، فعسى أن يلهمه الله تعالى -فجأة، ومن دون سابق إنذار- فيحن قلبُه على الشعب! ويتوقف عن قتله! ثم يتجه للدفاع عن حدود الوطن، كما يليق بجيشٍ وطني أن يفعل.
 

   

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...