هل يُنهي نتنياهو حروبه يوماً؟

30 يناير 2025
+ الخط -

بعدما اجتمعت عوامل كثيرة، خارجية وداخلية، أجبرت رئيس مجلس الحرب الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على القبول باتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، سارع الأخير إلى نقل حربه على الشعب الفلسطيني من قطاع غزّة إلى الضفة الغربية عبر شنّ عملية عسكرية ضدّ مخيّم جنين قبل أيّام. وبينما تبدو دوافع هذه الحرب سياسيةً بحتةً، علاوة على دوافع نتنياهو الشخصية، يبقى التساؤل قائماً حول المدى الجغرافي الذي ستطاوله هذه الحروب، والفترات التي ستستغرقها حتى تنتهي، وكذلك الأهداف الواقعية التي تسعى إلى تحقيقها، إن كان لها أهداف كهذه. لكن الأمر المهم الذي يجب التأكد منه ما إذا كان الرئيس الأميركي الجديد سيتعامل معها بجدّية، لأنه تحدّث عن وضع حدٍّ للحروب التي تشهدها المنطقة، وربّما كان وقف الحرب على غزّة أول تلك الحروب التي شملها كلامه.

صار ثابتاً ما توافق عليه محلّلون إسرائيليون بدايةً، ثمّ تعاطى معه كُتّاب في الغرب على أنه من البديهيات، أي الشخصي في الحروب الأبدية التي يشعلها نتنياهو، خصوصاً ما أكّدته حربه على قطاع غزّة التي كانت أطول حربٍ تخوضها دولة الاحتلال الإسرائيلي في تاريخها. فهو أطال تلك الحرب من أجل الإفلات من أخطار ثلاثة كانت تحيق به، ومنعت الحرب وقوعها أو أجَّلتها، وهي إجراء انتخابات برلمانية مبكّرة قد يخسرها، والخطر الثاني تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب الفشل في التصدّي لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر (2023) والفشل الاستخباراتي في التنبؤ بها، وهي اللجنة التي ستدينه وتضرّ بسمعة حزبه بالضرورة. أمّا الثالث فهو المحاكمة التي تنتظره، وتتعلّق بقضايا فساد يعرف في قرارة نفسه أنه سيُدان فيها.

قد لا تكون مهمة نتنياهو في جنين، ثم في الضفة الغربية عموماً، سهلةً، فإرادة الشعب الفلسطيني في المقاومة لم تنكسر

لذلك، وضع نتنياهو أهدافاً لحربه على غزّة بدت لكثيرين غير واقعية وتتطلّب زمناً طويلاً لتحقيقها، وأهمها القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى، الذين تحتجزهم، بالقوة العسكرية. وبينما فشل في القضاء على حركة حماس، وهو ما تبيّن بعد وقف إطلاق النار، حين ظهر عناصرها بكامل قوتهم وانضباطهم وحيويتهم في الساحات، فإن الإفراج عن الأسرى عبر المفاوضات، وليس بالقوة، يثبت فشل نتنياهو ويؤكّد صحّة ما افترضه أولئك المحلّلون، حول الشخصي في حروبه. لذلك تأتي معركة جنين لتؤكّد الفرضية التي تقول بالدوافع الشخصية التي تقف خلف حروبه، غير أن معركة جنين تضيف دافعاً جديداً لهذه الحروب، وهو إرضاء اليمين المتطرّف، الذي طالب بإعادة احتلال غزّة، وخصوصاً من أجل ضمان عدم انسحاب وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، من التحالف الحكومي الذي يتزعمه نتنياهو، هذا الانسحاب الذي سيؤدّي إلى إسقاط الحكومة، وإلى الدفع نحو انتخابات مبكّرة للكنيست.

ومن هنا، يتبيّن لنا السبب في سرعة شنّ معركة جنين، بعد يومين من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة حيّز التنفيذ، ربّما لكي لا يتسنّى لمعارضي نتنياهو تقديم طلب إلى الكنيست لسحب الثقة من حكومته وبالتالي سقوطه. أما احتمال توسع المعركة لتصبح حرباً تشمل الضفة الغربية برمتها، فهو ما ورد في إعلام اليمين الإسرائيلي المتطرّف؛ إذ نقل مراقبون أن هذا الإعلام لمح إلى أن المعركة قد تستمرّ أشهراً، ويمكن أن تمتد إلى مناطق أخرى. كما يمكن إرجاع السرعة التي جاءت بها إلى تسلُّم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منصبه في البيت الأبيض، والذي يعتقد نتنياهو أنه قد يمنع إدانة العملية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إذا ما شهدت انتهاكات وجرائم حرب كتلك التي شهدتها الحرب الإسرائيلية على غزّة. وإذا ما تحقّق هذا الأمر، قد تجد مخطّطات نتنياهو طريقها نحو التحقيق، خصوصاً ضمّ الضفة الغربية، وتسفير سكّانها إلى الدول المجاورة، وهي الخطط التي تحدّث عنها نتنياهو مراراً، والتي تحتاج سنواتٍ كي يستطيع تحقيقها، ما يعطيه فرصةً للبقاء في الحكم ويقطع الطريق على المعارضة التي تطالب بإقالته، خصوصاً أن هذه الحرب تندرج ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يبشّر به.

ليس مؤكّداً التعويل على كلام ترامب عن الحدّ من الحروب لمنع نتنياهو من الإيغال في الدم الفلسطيني

قد لا تكون مهمة نتنياهو في جنين، ثم في الضفة الغربية عموماً، سهلةً، فإرادة الشعب الفلسطيني في المقاومة لم تنكسر، بعد سنة ونصف السنة من الحرب على قطاع غزّة، وما شهدته من تدمير شامل وممنهج ومجازر واعتقال واسع النطاق. وإذا ما أخذنا بالاعتبار القوة الإسرائيلية التي استخدمت الأساليب كلّها لإخضاع الشعب الفلسطيني، لكنّها لم تنجح في جعله ينهزم، بل بقي صامداً ويقاتل بالسبل المتاحة له كافّة من أجل الدفاع عن حقوقه، لذلك فإن هذه القوة ستفشل في الضفة الغربية، خصوصاً بعدما شهدناه من بأس المقاومين في التصدّي للقوات الإسرائيلية في مخيّم جنين، وهو ما يمكن أن يتكرّر في مناطق فلسطينية أخرى.

في هذا الوقت، ليس من المؤكّد أنه يمكن التعويل على كلام ترامب فيما يخصّ الحدّ من الحروب في الشرق الأوسط لمنع نتنياهو من الإيغال في دم الشعب الفلسطيني من جديد، والتمادي في حربه في الضفة، غير أن كلام ترامب خلال حملته الانتخابية بضرورة توسيع مساحة إسرائيل الصغيرة على حساب الجوار لا يبشّر بالخير، إلا إذا كان كلاماً يصبّ في مهمّة كسب الأصوات اليهودية في مواجهة منافسته، كامالا هاريس، ثمّ يتنصّل من هذا الخطاب بعدما ضمن فوزه، وهو المعروف عنه أنه لا يمكن التنبّؤ بأفعاله. لكن في النهاية، يبقى الميدان يحدّد مدى قدرة نتنياهو على الاستمرار في حروبه الأبدية على الشعب الفلسطيني، وعلى دول الجوار، وكذلك قدرة ترامب على زيادة مساحة إسرائيل إن قرّر ذلك.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.