هل يعيد جوزاف عون زمن المعادلة الخشبية؟

08 مارس 2025

جوزاف عون يتحدّث في القمة العربية في القاهرة (4/5/2025 حساب الرئاسة اللبنانية في X)

+ الخط -

"معمعة" هي الحالة التي تسيطر على المنطقة، في ظلّ إصرار أميركي على المضيّ في تحقيق خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضية بتحويل قطاع غزّة "ريفييرا الشرق"، بشرط تهجير سكّانه إلى دول الجوار، ولو مؤقّتاً. لا يعيش لبنان في جزيرةٍ معزولةٍ عن تلك المعمعة، بل هو في قلب الزوبعة، وليس جزءاً مشاركاً فيها، منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما قرّر حزب الله تحت شعار "وحدة الساحات" خوض حربٍ إسنادية في جانب حركة حماس، بعد "طوفان الأقصى". لم يخرج الحزب سالماً من الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي (2024)، حين اغتيل فيها أمينه العام حسن نصر الله، ولم يسلم لبنان من حربٍ كانت الأشدّ تدميراً على مناطقه، ما خلّف معضلةً أساسيةً بعد الحرب تمثّلت في إعادة الإعمار، والسلاح خارج إطار المؤسّسات.

لفت رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، في حديث لإحدى الصحف المحلّية، في 3 مارس/ آذار الجاري، إلى أن "لبنان لن يقبل أيّ محاولات لمقايضة المساعدات بشروط سياسية أو عسكرية، سواء كانت متعلّقةً بسلاح المقاومة شمالي الليطاني أو غيره من الملفّات الداخلية". يدرك برّي أن معادلته لم تعد تلقى صدىً، لا عربياً ولا إقليمياً، كما يعلم جيّداً أن معارضة الداخل باتت ترفع شعار تسليم السلاح إلى الدولة اللبنانية، وأن وصفَه كلمة الرئيس في القمّة العربية بـ"الرائعة جدّاً" فيها من الهجاء أكثر من المديح.

ما كان قبل 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، موعد وقف النار، ليس كما بعده، إذ أدرك الحزب أن ساحاته طُوِّقت، لا بل قُوِّضت، وأن "طريق القدس" لا يجب أن تمرّ على حساب لبنان، ولا على حساب علاقاته مع عمقه العربي. لهذا، أطلق رئيس الجمهورية اللبناني جوزاف عون، في القمّة العربية الاستثنائية الطارئة في القاهرة (4 مارس/ آذار الجاري)، سلسلةً من المواقف، اعتبرها بعضهم تحوّلاً صريحاً في وجه هذا البلد، وإعلاناً صريحاً لنهاية معادلة "شعب جيش مقاومة"، التي أطلقها حزب الله بعد حرب تمّوز (2006).

شكّلت زيارة عون الخارجية الأولى إلى السعودية، ومن ثمّ مشاركته في القمّة العربية الطارئة، انطلاقةً إيجابيةً في المرحلة الجديدة، التي تمرّ فيها المنطقة، والتي بدأت مفاعيلها تنعكس على لبنان. صفحة جديدة في تاريخ لبنان مع عمقه العربي افتتحها الرئيس بعد مسار من العلاقة المتوتّرة مع دول الخليج، بدأت بوادرها بالظهور مع الرئيس السابق ميشال عون، الذي شكّل الغطاء الدبلوماسي لتحرّكات حزب الله كافّة، لهذا تبنّى عهد ميشال عون ضمناً سياسة الحزب التهجمية على دول الخليج، الأمر الذي أدخل البلاد في قطيعة على المستويات كافّة مع دول الخليج العربي، وأبعده عن محيطه العربي.

أطلق جوزاف عون في كلمته في جامعة الدول العربية سلسلةً من التصاريح عالية السقف، عبّر فيها عن أيّ لبنان يريد، فاعتبر أن "لبنان تعلّم ألا يكون مُستباحاً لحروب الآخرين، وألا يسمح لبعضه بالاستقواء بالخارج ضدّ أبناء وطنه. وأن مصالحه الوجودية هي مع محيطه العربي، وأن مصالحه الحياتية هي مع العالم الحرّ كلّه". وذكر عون في كلمته ضرورة فصل الساحات، وأن المعادلة الذهبية التي أطلقها حزب الله بعد حرب يوليو 2006 قد سقطت، ولكن هذه المرّة، ليس عبر المسار السياسي، كما في زمن الرئيس السابق ميشال سليمان، بل عملانياً، وتمثّلت في جزء منها في أحداث مطار بيروت، لأن المرحلة لا تتطلّب المعاندة، ولا قطع العلاقات مع الخارج، فإعمار لبنان وإعادة دورته الاقتصادية الحقيقية لن يتمّا إلّا بعد التوافق على مواضيع رئيسة، في مقدمها تسليم الحزب سلاحه.

تقويض جهود طهران سيرتدّ على فلولها في المنطقة، خصوصاً بعد إقفال الممرّ البرّي لتمويل الحزب عبر سورية

لا يرتبط الموضوع بمسألة العناد والتعنّت، بل بات قراراً واضحاً، لا سيّما في ما يرتبط بالإدارة الأميركية التي تصرّ على إطلاق مشروع الممرّ الهندي المنافس للمشروع الصيني. وإن وجود حركات مسلّحة قادرة على تشكيل تهديد لهذا الممرّ بات مستحيلاً، الأمر الذي يتطلّب إزالة تهديد حركة حماس في غزّة، وممارسة أقصى الضغوط على الحزب لتسليم السلاح.

العمل جارٍ لتعبيد طريق البهارات (الممرّ الهندي) على حساب طريق الحرير (الممرّ الصيني)، وإنّ أيَّ تراجعٍ في هذا الشأن سيُعتبَر خسارةً حقيقيةً لمن وقّع، في 10 سبتمبر/ أيلول 2023 في نيودلهي، على تأمين الطريق من كلّ من يشكّل تهديداً لها. لم تعد من الممكن العودة إلى الوراء، فما رُسِم بات في مرحلة التنفيذ، وإيران التي شكّلت الحاضنة الرئيسة للجماعات التي دعمتها في العالم العربي، بات أمنها مهدّداً. فتقويض جهود طهران سيرتدّ على فلولها في المنطقة، خصوصاً بعد إقفال الممرّ البرّي لتمويل الحزب عبر سورية، وما شهده الساحل السوري الخميس الماضي (6 مارس) من تحرّك لقوات الأمن السوري للقضاء نهائياً على فلول النظام وأعوانه، بعد سلسلة من الكمائن في الساحل السوري، أدّت إلى مقتل عناصر من قوات الأمن، سيكون له ارتداد في الداخل اللبناني، ويصبّ لصالح الاستراتيجية التي طرحها الرئيس عون، وينهي ذهبية معادلة الحزب، أم أن للحزب رأياً آخر وتحرّكاً قد نشهده في الأيام المقبلة؟