هل يستطيع السوريون العمل معاً؟

هل يستطيع السوريون العمل معاً؟

10 ديسمبر 2021

(وسيم حناوي)

+ الخط -

تشهد الساحة السورية، منذ عشرة أعوامٍ ونيّف، حراكاً سياسياً مستمراً، تكثّف أخيراً بعدما أيقن الثائرون على النظام والمعارضون له أنّهم خسروا المعركة العسكرية، ولم يبق لديهم سوى السياسة للعمل من خلالها أملاً في تحقيق انتقالٍ سياسيٍ ينهي المأساة السورية. ترافق هذا كله مع حراك دولي مكثّف من جولات ولقاءات ومباحثات وتفاهمات. كان اللافت ضمن هذا السياق التناقض بين ما اعتبره بعضهم تراجعاً أميركياً عن نهج الحصار المفروض على نظام الأسد، عبر مفاهيم التعافي المبكّر، وإعادة مبدأ عدم الإفلات من العقاب إلى الواجهة، من خلال طرح قضية الجرائم المرتكبة في سورية مجدداً أمام مجلس الأمن، والتي شارك فيها سوريون بكلمات تتهم الأسد ونظامه بارتكاب جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية.

تقوم الجالية السورية (المعارضة للنظام) في أميركا بدورٍ سياسي كبير لمنع انزلاق إدارة الرئيس بايدن بعيداً في سياستها تجاه النظام، وتقوم استراتيجيتها على وجوب اعتبار القضية السورية لا حزبية في السياسة الأميركية، أي أنّ الجالية تعمل مع الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، في هذا الشأن، فلا تقطع صلاتها مع أيٍّ منهما، سواء أكان في الحكم أم لا. وقد حققت الجالية نجاحاً جيداً خلال السنوات العشر الماضية، كما أنها طوّرت من آليات عملها بشكل ملحوظ. لقد بات في وسع السوريين الأميركيين الحديث عن قواعد مشتركة للعمل السوري الجماعي، وتمظهر هذا بالاتفاق أخيرا بين عدد من منظمات المجتمع المدني السوري الأميركي الذي ينظم أدوار كل منها بشكل أكثر فاعلية وجدوى.

عشر سنوات وأكثر من المراوحة في المكان، إن لم نقل بجسارة من التراجع والانحسار إلى الخلف، كفيلة بإجبار السوريين على التفاهم وفق قاعدة المشتركات الوطنية

يحضّر السوريون الأميركيون لعقد لقاء وطني سوري في 18 مارس/ آذار المقبل، يهدف إلى جمع القوى السياسية والمدنية السورية الثائرة على النظام والمعارضة له تحت سقف واحد. ينظر هؤلاء إلى اللقاء مقدّمة للقاءات وطنية سورية في باقي بلدان الشتات السوري، وفي الأماكن الخارجة عن سيطرة النظام من سورية، والتي يمكن عقد مثل هذه اللقاءات فيها. ويهدفون إلى تجميع مُخرجات هذه اللقاءات الوطنية في بوتقة واحدة، علّهم يستطيعون عقد مؤتمر وطني سوري عام في النهاية، يكون تأسيسياً جامعاً للقوى الوطنية، بما فيها التي وقفت على الحياد أو حتى التي اصطفّت مع النظام في موقفه من الثورة. تستثني اللقاءات والمؤتمر العتيد الذي يُفترض أن ينجم عنها من تلوّثت أيديهم بالدماء، ومن جميع الأطراف.

تحاول الجاليات السورية في أوروبا القيام بالشيء نفسه. وبالفعل، يلاحظ المراقبون وجود حراك ثقافي وسياسي نشط ضمن أوساط النخبة السورية هناك. يهدف الحراك هذا، من حيث النتيجة، إلى الاستفادة مما أنجزه السوريون الأميركيون قبلهم. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في تسهيل مهامهم. يبقى أن يحاول السوريون في تركيا والسوريون في مناطق شمال شرقي سورية وشمال غربيها القيام بواجبهم الوطني هذا. صحيحٌ أنّ الظروف الموضوعية التي يعمل ضمنها هؤلاء لا تساعد كثيراً على ذلك، خصوصا في ما يتعلّق باللقاء بين قوى الأمر الواقع، شمال شرق وشمال غرب، لكن يتوجّب القيام بالجهد الكافي الذي يُطلق عليه في القانون مصطلح "عناية الإنسان المُعتاد"، أي الجهد الذي يبذله الإنسان العادي لإنجاز مهامه، من دون إفراطٍ أو تفريط.

وضع عمانويل كانط قانونه الأخلاقي الذي ينظّم سلوك الأفراد، ويطلب فيه من الفرد التصرّف بحيث تصلح القاعدة التي يستند إليها في سلوكه، أن تكون قاعدة عامة. هذا ما يحتاجه السوريون في عملهم السياسي، كي يبدأوا بالخطوة الأولى في طريق التفوّق على نظام الأسد الديكتاتوري. يجب أن يصل السوريون إلى حل المعادلة الأخلاقية الناظمة لسلوكهم، والتي تقلب ما اعتبره جان جاك روسّو قاعدة سلوكية جماعية في رسالته إلى ديمونت، حيث كتب: "الجميع يتظاهر بأنه يُضحّي من أجل مصلحة المجموع والجميع يكذب.. لأنه لا أحد يرتأي الخير العام إلا إذا كان يتلاءم مع مصلحته، ويجب أن يتحوّل هذا التوجه إلى موضوع السياسة الصحيحة الباحثة عن سعادة البشر".

آن الأوان ليبدأ السوريون من جديد، والطريق لا بدّ من سلوكه رغم وعورته

عشر سنوات وأكثر من المراوحة في المكان، إن لم نقل بجسارة من التراجع والانحسار إلى الخلف، كفيلة بإجبار السوريين على التفاهم وفق قاعدة المشتركات الوطنية، فلا يمكن الانتظار أكثر، حتى يقتنعوا بأخطائهم السابقة في الفهم والعمل. على ما يبدو أنّه، حتى لو كان الكثير منهم يدرك عدالة القضية، فذلك لم يكن كافياً لإقناعهم بالحاجة إلى القيام بما يجب القيام به من عمل مشترك. وهذا يجعل من الواجب الانتقال إلى التعامل بلغة المصالح، لا بلغة العقل والمنطق. أي باختصار شديد، على السوريين إثبات التناسق والتوافق ما بين مصالحهم الشخصية بالتغيير والمصلحة الوطنية العامة التي تقتضي ذلك. من هنا، يمكن لهم تحقيق مصالحهم الخاصة عبر تحقيق المصلحة العامة، أو هكذا يجب أن تكون الحسابات، على الأقل بحدّيها، المنطقي والواقعي. من يمكنه أن يعمل في بيئةٍ خاليةٍ من الاستبداد والفساد بشكل شخصي، بحيث يحقق مصالحه الفردية والخاصة، هو صاحب المصلحة في الانتقال والتغيير، أي هو المدافع الحقيقي عن تضمين المصالح الخاصة ضمن المصلحة الوطنية العامة. أمّا من يعطّل التغيير والانتقال، فهو من لا يستطيع العمل إلا ضمن أجواءِ غياب منظومة الحكم الرشيد وأسس الحوكمة القائمة على التشاركية والشفافية وسيادة القانون.

آن الأوان ليبدأ السوريون من جديد، والطريق لا بدّ من سلوكه رغم وعورته، وهو سيزداد وعورة وخطورة في كل يوم يتأخرون فيه عن بدء المسير، فلا بدّ مما لا بد منه، وعليهم أن يبنوا أسس العمل الوطني المشترك من الصفر هذه المرّة، وإلا عليهم توقّع استدامة مأساتهم إلى أجل غير مسمّى.

56B14126-91C4-4A14-8239-0C25A8235D5D
56B14126-91C4-4A14-8239-0C25A8235D5D
حسان الأسود

كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.

حسان الأسود