هل يذكّرنا شهر الصوم بالجوع في العالم؟

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
نقرأ في رواية "البطء" لميلان كونديرا (صدرت في 1995) أن مجموعة من الأطفال الفرنسيين يقرّرون تحطيم حصّالاتهم لإرسال ما احتبس فيها من أموال إلى أطفال الصومال، التي كانت تعيش حالة مجاعة عنيفة في التسعينيّات من القرن الماضي، وكانت صور الهزال تتوزّع بكثرة في مختلف وسائل الإعلام وقتئذ.
علاوة على المعاني الروحانية لشهر رمضان، ثمّة معنىً عميق للصوم، يتمثّل بالقرصات الشعورية للجوع والعطش. انطلاقاً من أنفسنا أولاً، ثمّ الآخرين من حولنا، ثمّ من هم بعيدون منّا في آفاق الأرض. لذلك، يكون العقل والتفكير هما من يتسلمان زمام العمل وقيادة الجسد، وبالتالي قيادة الحياة. ولكنّ السؤال: هل يشعر المسلمون حقيقةً بهذا الهدف العميق، أي بجوع إخوتهم في الدين والإنسانية لحظة الصيام؟ هل يشعر مثلاً سكّان ولاية ظفار في عُمان القريبة من اليمن بجوع إخوتهم اليمنيين، حيث تسجّل التقارير الأممية أرقاماً مخيفةً عن الجوع، الذي طاول أجزاءً من اليمن ناهيك عن سوء التغذية الذي يحصل للأطفال؟ ونحن نعرف أن سوء التغذية سيلاحق الإنسان إلى آخر حياته، مهدّداً إياه بالأمراض وقصور جهاز المناعة.
بالتالي، هل يشعر الليبي والمصري بأخيهما السوداني القريب منهما، حيث صارت السودان تسجّل أرقاماً أمميةً في نقص الغذاء والدواء وفتك الأمراض؟... وبصورة أوسع، هل يفكر المسلم، في أثناء الصوم، بأخيه في مختلف بقاع خريطة العالم العربي والإسلامي، وبعد ذلك هل يفكّر في أخيه بالإنسانية في أجزاء كبيرة من أفريقيا، حيث حرمت الحروب والحصار والجفاف حتى المزارعين من الاهتمام بأراضيهم، الأمر الذي تسبب في ندرة السلع وغلائها بصورة مضاعفة، وأكثر من ذلك شحّ الأساس منها كالخبز والماء؟
كما قرأنا في كتب الرحّالة العرب والأبحاث المتعلّقة بانتشار الإسلام سلمياً في العالم، هو تلك المعاملة الحسنة التي كان يقوم بها التجّار في أثناء انتقالهم في تجارتهم وإقامتهم من مكان إلى آخر. فلم يكن التاجر المسلم يحتكر السلعة ولا يرفع الأسعار، أي إنه كان يهتم بحسن المعاملة الذي يحثّه دينه عليها. إلى جانب أنه كان يساعد الفقراء ويحفر الآبار في طريق التجارة القديم. حبّب هذا السلوك فيهم الناس الذين وفدوا عليهم، ما جعل حتى بعض حكّام تلك الدول يعتنق الإسلام، ناهيك عن السكّان المحلّيين.
في ما نشاهد ونتابع، نرى أن الشعوب العربية لم تعد تهتمّ في شهر الصوم إلّا بمعدتها، فعلاوة على تنوّع الأطباق والتباهي بوفرتها، فإن ما يُكتفى منه يكون مصيره براميل القمامة، التي تفيض أفواهها عند حلول الليل وبشائر الصباح. هذا "الشعور بالآخر"، الذي كان هدفاً عميقاً في إقرار الصوم دينياً ينتفي، فلا نجد حرصاً أو تفكيراً جماعياً بأحوال القريب من أخوتنا، فما بالنا بالبعيدين، وبعد ذلك أحوال الناس في كلّ بقعة مزدحمة في العالم.
تمتدّ الخشية كذلك إلى تفكيك مقاطعة السلع التي تدعم إسرائيل، إذ لم تعد محلات ماكدونالد وستار بكس (مثلاً) فارغةً كما كان الأمر عليه في أيّام الهجوم الإسرائيلي المباشر على غزّة. يمكن أن تجد في هذه المحلات حتى العائلات، وإن بصورة قليلة، كما حدث لكاتب هذه السطور في مطار مسقط، وكأنّهم كانوا محرومين طوال تلك الفترة، وحان الوقت للتعويض، وكأنّ الهدف من المقاطعة انتفى، وردّ العدو الإسرائيلي كامل الحقوق للفلسطينيين، وعوّضهم عن الخسائر في الأرواح والمنشآت. وإن شرع العدد في التناقص، فالألوف من الناس ما زالوا مستمرّين في مقاطعتهم تحت مبدأ أن هذا العقاب لهذه الجهات الداعمة لإسرائيل يجب أن يستمرّ حتى النهاية، ولا يتوقّف، طالما أن الجريمة الشنيعة قد حدثت.
الشعور بالجوع وآلامه في شهر الصيام يُعدّ نغزةً صغيرةً تشبه إشارة سماوية لا تساوي شيئاً قياساً بالجوع الذي يجتاح شعوب تلك الدول، التي يعيش أهلها في ظلّ الحصار الدائم والجفاف المستمرّ وقلّة الموارد، وأولئك الذين يعيشون في العشوائيات وخرائط النأي والنسيان. لذلك، كان الأحرى بالشعوب العربية الشعور بهم والبحث عن طرائق مشروعة لتزويدهم بما يحتاجونه من أموال وطعام ودواء، تحقيقاً للهدف العميق من فريضة الصوم في شهر رمضان على المسلمين.


كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية