هل هي عودة الرشد إلى الحكّام العرب؟

16 فبراير 2025
+ الخط -

عادت الحياة إلى "النظام الإقليمي العربي" الذي كان يمر في حالة موت سريري منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي. ويعود الفضل في ذلك إلى كل من الرئيس الأميركي ترامب، وصديقه الصهيوني نتنياهو. فالأول دعا الغزّيين إلى مغادرة أرضهم وتسليم ملكيتها له، والثاني يعمل على التخلص من هذا الشعب الصامد.

تجد عديد الدول العربية نفسها مستهدفة في أمنها وفي ثرواتها وفي وحدتها الترابية. ورغم مواقف هذه الدول قبل حرب غزّة وخلالها، تجد نفسها عرضة لضغوط غير مسبوقة، من أجل القبول بتحمّل نتائج سياسة الإبادة التي أقدمت عليها إسرائيل، وأدّت إلى استشهاد 65 ألف فلسطيني، وتدمير مدينة بأكملها.

لاقت تصريحات نتنياهو المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية داخل السعودية تنديداً عربياً واسعاً، واعتبرت "تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء"، فلليمين الصهيوني الإسرائيلي حساب تاريخي يسعى لتصفيته مع السعودية، ليثأر ليهود المدينة الذين غدروا بالرسول، وتحالفوا مع قريش، فطُردوا خارج الجزيرة العربية. وكم كانت سعادة يعقوب هرتسوغ الحاخام اليهودي ورجل الأعمال والمتطوع السابق في الجيش الإسرائيلي، وهو ويصلي بجانب جبل أحد، ويسعى لبناء مراكز تجارية وثقافية ودينية لليهود هناك. ورغم أن الرياض لم تكن مؤيدة للمقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، فإنها تتعرّض لاستهدافات كلامية منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

كذلك تصرف ترامب ونتنياهو بالرداءة نفسها مع القيادة المصرية، وهما يحاولان جرّها إلى مستنقع آسن. وبدل أن تكون إسرائيل مسؤولة أمام العالم عن الإبادة المتواصلة، اتُّهِمَت القاهرة بكل وقاحة بمنع مغادرة الفلسطينيين غزّة وتحويلها إلى "سجن مفتوح". وفي سياق موازٍ، حاول ترامب إرباك العاهل الأردني، عبد الله الثاني، وممارسة الضغط عليه ليدفعه نحو موقف مؤيد لخطته المجنونة، لكن الملك تمكّن من عدم التورط في هذه الجريمة النكراء. أما الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فتقول مصادر إنه عبّر عن عدم رغبته في التوجه نحو البيت الأبيض، وهو ما دفع صحيفة نيويورك تايمز إلى التشديد على أن القاهرة وعمَّان "تفضلان المخاطرة بفقدان المساعدات الأميركية، تجنباً لإحداث حالة سخط شعبي، من خلال الظهور بمظهر المتواطئ في التطهير العرقي في القطاع".

بدأ يحدث تغيير ملحوظ في بوصلة العالم العربي، حيث صعّدت حكومات المنطقة انتقاداتها القوية ضد تل أبيب. كذلك عبّرت عن تضامنها مع السعودية. وستؤكد القمة العربية المقبلة رفض مخطط التسفير، وستتبنّى موقفاً استراتيجياً موحّداً تجاه غزّة والمسألة الفلسطينية، فكل نظام عربي قد يتردّد في إدانة هذا التوجه الاستعماري، سيتهم بالخيانة والولاء للصهيونية العالمية. ويكفي في هذا السياق الرجوع إلى ما أعلن عنه السفير الأميركي الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، والذي لم يتردد في القول إن "واشنطن ستُحدث تغييرات في الشرق الأوسط ذات أبعاد توراتية". وهو يعي ما يقول.

ومن المتوقع أن يشارك في القمة العربية أكبر عدد من الرؤساء والملوك، ومنهم الرئيس السوري أحمد الشرع. وسيرفع الحكام العرب أصواتهم عالياً ضد العنجهية الإسرائيلية، وتحميل حكومة نتنياهو مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها. ويفترض أن يتعرّضوا لدورهم في إعادة التعمير غزّة، وتمسّكهم بالخصوص بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية شرطاً لانخراطهم في سياسة التطبيع. وبذلك يقع دفن مشروع ترامب الذي لن يجد من يسانده في رهانه، مهما كان حجم الضغوط التي ستمارسها إدارته على الحكومات العربية. وتكفي الإشارة، في هذا السياق، إلى رفض اللبنانيين، رغم ضعفهم، الفيتو الذي حاول أن يستعمله الأميركان ضد مشاركة حزب الله في الحكومة الجديدة التي شكلها أخيراً نواف سلام، وهو يعتبر مثالاً صالحاً لتقتدي به بقية الحكومات في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة.

في ضوء هذه التطورات المهمة والمتلاحقة، يمكن أن نتوقع أن تعود الحياة إلى مؤسّسة القمة العربية، وتستعيد العواصم الوازنة قدراً من أدوارها السابقة. والمهم في ذلك كله، وقفة الرجل الواحد في وجه من يعتقدون أنهم يحكمون العالم بالقول: "كن فيكون".

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس