هل من سياسة أميركية جديدة في سورية؟
شكّل التوافق الروسي الأميركي على تمديد دخول المساعدات في مناقشات مجلس الأمن خطوة مهمة في اعتماد سياسة جديدة بين البلدين لإدارة شؤون سورية. على الرغم من ذلك، لا تغيّر هذه الخطوة من السياسات العامة المتبعة لدى روسيا وأميركا تجاه سورية، أي دعم الروس النظام، وتمسّك الأميركيين بالقرارات الدولية المتعلقة بالوضع السوري. الجديد هنا، وقد ترافق مع وصول الرئيس بايدن إلى السلطة، إذ جمد حزم العقوبات ضد شخصياتٍ وشركات سورية أو دولية، تتعامل مع النظام السوري. وأخيرا، ألغى عقد شركة نفط أميركية كانت تستثمر في شمال سورية، ودفعت الإدارة الأميركية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى النقاش مع النظام السوري بشأن أوجه العلاقة بينهما، وقضايا أخرى. قضايا كهذه تعني بالنسبة للروس أن هناك إمكانية لعودة النظام إلى شرق الفرات، وهناك أخبار تؤكد أن شركة نفط روسية في طريقها إلى الاستثمار في حقول النفط السورية.
التقارب الروسي الأميركي هذا يدعمه أن هناك نقاشات وتوافقات بين دبلوماسيي البلدين، وتتجاوز التوافق أعلاه إلى الموافقة الأميركية التركية على فتح خطوط للتجارة وحركة المواطنين بين مناطق "قسد" وسيطرة هيئة تحرير الشام والمناطق التي تسيطر عليها تركيا، وهذا سيشكل متنفساً للنظام "المخنوق"، وسيوصل البضائع الصناعية وسواها إلى مناطق النظام. هذا يحقق المصالح الروسية بدرجةٍ ما، إذ تعيش مناطق النظام أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة. ما وافقت عليه أميركا وتركيا لا يعني أن الحل السياسي أصبح قاب قوسين أو أدنى، لا. إن سياسة الخطوة خطوة، وهي ليست جديدة، ولكن لأوّل مرة توافق عليها روسيا. وبالتالي، سنشهد بعد التمديد لمعبر باب الهوى خطواتٍ إضافية بين البلدين، وهذا قد ينقل المسائل إلى قضية الإفراج عن المعتقلين مثلاً، والتي أصبحت قضيةً أساسية عالمياً. يشار هنا إلى أن تأخير قَسم الرئيس السوري ربما يكن نتيجة ضغطٍ روسيٍّ لاتخاذ خطوةٍ كهذه، وقد كانت واحدة من القضايا الرئيسة في لقاء أستانة الـ 16.
الاختلاف في السياسات الدولية تجاه سورية، والتوافق على أن لروسيا نصيب الأسد في هذا البلد، هو ما سمح لها بالتمدّد في سورية منذ 2015
ما لم يتغير أميركيّا أن قانون قيصر لن يتم شطبه، وكذلك رفض عمليات التطبيع السياسية مع النظام، وجديدها إلغاء بطولة رياضية كانت مقرّرة لدى النظام السوري، وكذلك إصدار الاتحاد الأوروبي "توضيحات" تضمنت رفضاً كاملاً لأيّ تطبيعٍ مع النظام، وأن الأخبار "الملفقة" التي يصدرها الأخير أن دولا أوروبية كاليونان وإيطاليا وقبرص وسواها تنوي فتح سفاراتٍ في دمشق ليست صحيحة، وأن الاتحاد يعتمد سياسةً ثابتة تجاه سورية، وتتعلق بالبدء بعملية انتقال سياسي، وحينها ستتغير سياسته، وهذا إكمالٌ لسياسة أميركا "الخطوة خطوة"، وتمسّكاً بالقرارات الدولية التي تسمح بانتقالٍ سياسيٍّ جادٍ، يعيد تشكيل النظام السوري، ولا يتعارض مع صيغة روسيا للتغيير، أي التغيير عبر القرارات الدولية التي وافقت عليها روسيا، سيما القرار 2254، وسواه.
طبعاً الاختلاف في السياسات الدولية تجاه سورية، والتوافق على أن لروسيا نصيب الأسد في هذا البلد، هو ما سمح لها بالتمدّد في سورية منذ 2015. وفي الوقت ذاته، عزّز من مراكز النفوذ لكل من إيران وتركيا وأميركا وإسرائيل، وبالطبع روسيا. يشير التوافق الروسي الأميركي الجديد إلى أن سياسة التعزيز السابقة استوفت شروطها، ولا بد من سياسةٍ جديدةٍ نحو الوضع السوري. المقصد هنا أن حصار روسيا درعا، أخيرا، وهجومها على بعض مناطق إدلب، وإمكانية استثمار روسيا في النفط، هي خطواتٌ نحو صفقة جديدة مع الدول التي تحتل سورية. ولهذا لن نرى موقفاً دولياً حاسماً يرفض الخطوات الروسية الأخيرة، بل قد يتحقق لروسيا ما تريده من درعا. وفي إدلب تتابع تركيا الضغط على هيئة تحرير الشام لتفكيك المجموعات الجهادية، وتشكيل منطقة خالية من السلاح، وإحداث تغييراتٍ في نظام الحكم على هذه المدينة، وقد تسمح بتكرار تجربة الجيش الوطني في عفرين وجرابلس، أي تشكيل مجلس عسكري جديد، ليفرض سلطته على إدلب، وبالتشارك مع هيئة تحرير الشام.
ليس لإيران أية مصلحة في صفقةٍ تخص سورية؛ فسورية في السياسة الإيرانية ورقة مهمة في إطار مناقشاتها بخصوص الملف النووي
لا ترفض روسيا قرار مجلس الأمن 2254، بل لعبت دوراً في إقراره، والرئيس السوري جُدّد له بالانتخابات أخيرا، وبيان جنيف لعام 2012 لم يعد الأساس لدى كل من أميركا والاتحاد الأوروبي، فهما تعتمدان 2254، ولا تثيران بشكلٍ ممنهج القرارات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية، أو قرارات أخرى تتعلق بمحاكمة الشخصيات الأساسية في النظام السوري. وإذاً ضمنا، ثمة صفقة كبيرة قد تتوصل إليها روسيا وأميركا في الأشهر المقبلة. ويدعم الفكرة هذه أن التوافق الروسي الأميركي وسياسة الخطوة خطوة لا يعنيان تغيّراً جديّاً في السياسة الأميركية. وعكس ذلك، لن يستفيد الروس من سيطرتهم على سورية إن لم يتوصلوا إلى صفقة مع الأميركيين. وهذا هو فتح المعابر بين مناطق النظام وإدلب والجزيرة السورية ستستفيد منه إيران والنظام، وهما ليسا معنيين بحلٍّ للوضع السوري، بل بتخفيف العقوبات عن النظام فحسب، وليس لإيران أية مصلحة في صفقةٍ تخص سورية؛ فسورية في السياسة الإيرانية ورقة مهمة في إطار مناقشاتها بخصوص الملف النووي. روسيا هي المعنية بألا تغرق في الوضع السوري، والتخفيف من الحضور الإيراني، بغض النظر عن مطالبات كل من إسرائيل وأميركا بضرورة ذلك التخفيف.
يفرض التحالف بين روسيا وإيران والنظام على الروس تأنيا كثيرا للوصول إلى صفقة سياسية تخص الوضع السوري
الآن، وبعد خطوة التوافق على المساعدات، والإشادة الروسية بالأميركيين والعكس، قد تندفع روسيا إلى التفكير جديّاً بالحل السياسي، والبدء بمشاوراتٍ جادّة مع الأميركيين. يفرض التحالف بين روسيا وإيران والنظام على الروس تأنيا كثيرا للوصول إلى صفقة سياسية تخص الوضع السوري. ولم يكن اعتماد سياسة الخطوة خطوة الأميركية لتغيير الوضع السوري؛ هي ضرورة لحل بعض المسائل الاقتصادية، وربما السياسية، ولكنها ليست بديلاً عن الوصول إلى حكم انتقالي، له كامل الصلاحيات في إدارة الشؤون السورية، كما جاء في القرار 2254. الفكرة هذه هي الحل الوحيد الذي يدفع نحو سياسات روسية أميركية متقاربة للوضع السوري. الخطوات الروسية والأميركية الجديدة ستتضمّن بالضرورة إعادة نقاشٍ جاد بين دبلوماسيي البلدين، وستشمل بالضرورة حصة إيران في سورية، ولن تكون أكثر من اقتصادية.
قرار تمديد إدخال المساعدات مدته عام، وبعد ستة أشهر سيمدّد له تلقائياً بعد تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة، وبالتالي: هل نستعجل "الاحتفال" لنقول إن 2022 سيكون عام الانتقال السياسي في سورية؟ أغلب الظن.