هل كان الظواهري حياً؟

هل كان الظواهري حياً؟

06 اغسطس 2022
+ الخط -

كان أهم انطباع وأول رد فعل على مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، هنا وهناك، المفاجأة بأن الرجل ما زال حياً، حتى ساعة مقتله صبيحة اليوم الأخير من الشهر الماضي (يوليو/ تموز) علي شرفة منزل يقيم به في كابول. ذلك أنه لم يكن في منزلة الزعيم السابق للتنظيم الإرهابي، أسامة بن لادن، الذي قًتل في العام 2011 في باكستان، فقد كان مجرّد ظلٍ ومساعد له. وبمقتل بن لادن، أخذ التنظيم يشهد تفكّكا وانحسارا، بعد أن ضاقت الدوائر عليه، وبعد أن افتقد قيادة ذات نفوذ معنوي، وبعد أن تسرّب منتسبون لـ"القاعدة" إلى تنظيم "داعش"، فيما بدت تنظيمات أخرى ارتبطت بـ"القاعدة" وكأنها استقلت تنظيميا عنه، محتفظة بروابط أيديولوجية غائرة وغير حاكمة، كما هو حال حركة الشباب في الصومال وشظايا التنظيم وبقاياه في أماكن أخرى، في مالي مثلا وفي تخوم دول عربية مثل سيناء، وبعض التنظيمات في سورية، مثل حرّاس الدين وجبهة النصرة، وحركة طالبان الباكستانية. وهكذا كان الظواهري يبدو وكأنه قد دخل في ما يشبه مرحلة "تقاعد" من العمل الجهادي. وبسبب روابط قديمة بحركة طالبان، أتيحت له الإقامة في عاصمة إمارة أفغانستان الإسلامية كابول، حيث كان موضع متابعة، وقد لقي حتفه في نتيجتها. وقد ارتكزت الولايات المتحدة على اتفاق بينها وبين "طالبان" بعدم توفير مأوى لأعضاء "القاعدة" وما شاكله لاستهداف الظواهري. وبطبيعة الحال، للولايات المتحدة أسبابها الخاصة في استهداف الرجل الذي كان أحد أبرز مخطّطي تفجيرات "11 سبتمبر" (2001)، إضافة إلى عمليات متفرقة استهدفت جنودا أميركيين. وقد بدت كابول محرجة مع انكشاف وجود الظواهري في الديار الأفغانية، وهو ما يفسر التعليق المقتضب للأوساط الرسمية هناك الذي اكتفى بتأكيد خبر مصرعه من غير إضافات ذات شأن، باستثناء الحديث عن "انتهاك السيادة الوطنية"، ولكأن استهدافه وتغييبه قد رفع عنها حرجا وأزال عبئا، هذا قبل الإعلان عن مفاجأة السلطات بوجوده على أراضيها، إذ تسعى كابول إلى الظهور بمظهر دولة تحترم القوانين الدولية، بعد أن أثمر جهاد حركة طالبان في انسحاب القوات الأميركية انسحابا غير منظم من هذا البلد، مع ترك معدّات ومنشآت وأسلحة للحاكمين الجدد خصوم الأمس القريب في كابول.

من شأن اكتشاف وجود الظواهري في أفغانستان، وفي منزلٍ يعود إلى أحد قادة "طالبان" (سراج الدين حقاني)، أن يضع قادة هذا البلد مجدّدا أمام تحدّي إثبات القطع مع الماضي

ليس الهدف من عنوان المقال التشكيك بنجاح عملية استهداف الظواهري، أو إلقاء ظلال على كونه على قيد الحياة حتى ساعة مقتله، إذ يكمن المغزى في أنه كان فاقد الأهلية والتأثير على بقايا التنظيم الذي ورث قيادته لمجرّد قربه من بن لادن، إذ اقترنت فترة قيادته ببدء اضمحلال التنظيم وتفكّكه واستقلال بعض مكوناته عن التنظيم الأم، من دون الانتفاء التام لخطر هذا التنظيم الإرهابي الذي أعاق، على سبيل المثال، عملية تعافي ليبيا، بعد محاولته ملء الفراغ الذي خلفه سقوط نظام القذافي، لكن الليبيين نجحوا، على اختلاف مشاربهم، في أن يتّحدوا لقتاله واقتلاعه. وعليه، فقد استنتج خبراء أميركيين أن عملية استهدافه ذات مردود رمزي ومعنوي ليس إلا، وتجسّد نجاحا استخباريا في متابعته كان في محله، وأن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان لم يضع حداً نهائيا للنفوذ الأميركي في هذا البلد، وهو ما تكشف عنه عملية استهداف هذا الرجل، والتي جرى تنفيذها وفق ما كان مخطّطاً لها منذ أشهر. كما أن الظرف الذي تم فيه استهدافه كان يشهد تركز الأنظار على مجريات الحرب على أوكرانيا، وعلى "المسلسل" المثير لزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، تايوان مصحوبة بوفد يضم نوابا ديمقراطيين، وهي الزيارة التي لم يكن أمرها محسوما حتى قيام صاحبتها بها. في هذا الظرف، جاء استهداف الظواهري مفاجئا، وبخاصة أن الرجل كان غائبا سنوات عن الأضواء وعن السمع والبصر، حتى قيل إنه، وهو الطبيب في الأصل، كان مريضاً، فيما الجهود الأميركية المعلنة تتركز على مكافحة تنظيم "داعش"، حيثما وجد.

على أن هذه العملية لن تبقى بغير تداعيات، ومن أهمها أن من شأن اكتشاف وجود الظواهري في أفغانستان، وفي منزلٍ يعود إلى أحد قادة "طالبان" (سراج الدين حقاني)، أن يضع قادة هذا البلد مجدّدا أمام تحدّي إثبات القطع مع الماضي، والتحول فعليا إلى دولة مسؤولة، لا تؤوي إرهابيين، وهذا بعض ما تضمنه اتفاق الدوحة في عهد دونالد ترامب يوم 29 فبراير/ شباط 2020 الذي واكب الاستعداد لانسحاب الأميركي من أفغانستان في نهاية أغسطس/ آب 2021، وفي عهد الرئيس الحالي، جو بايدن، الذي عمل على بعض التأخير في سحب القوات، ومع ذلك جاء الانسحاب فوضويا، وأشبه بانسحاب من ساحة معركة، وقد تزايدت بوادر الهزيمة. مع ذلك، ترغب واشنطن في طي صفحة انسحابها الغريب بعد عشرين عاما من خوض المعارك. وعليه، سوف تبقى أفغانستان في مرمى النظر، وبغير أن تتشجع أغلبية الدول في إقامة علاقات مع الحكم الجديد الذي يقترب من إتمام سنته الأولى، من دون أن ينجح في مخاطبة العالم، ولا حتى مخاطبة شعبه بشيء.

كان الظواهري فاقد الأهلية والتأثير على بقايا التنظيم الذي ورث قيادته لمجرّد قربه من بن لادن

 

وعلى الدرجة نفسها، فإن وجود حركة طالبان (تحريك طالبان) في باكستان التي تنشط على الحدود بين البلدين يشكّل تحديا لهذا البلد منذ العام 2007، حيث نشأت تلك الحركة باتحاد 13 مجموعة، وكانت تستهدف القوات الباكستانية، وتنسج علاقات مع طالبان أفغانستان، بل كان بعض أعضائها يتنقلون بين البلدين في فترة القتال ضد القوات الأميركية، وضد الحكم في كابول، المسنود آنذاك من واشنطن. وتكمن خطورة هذه الحركة في أنها ذات جذور اجتماعية وطنية، تنبثق من بيئة قبلية في المجتمع الباكستاني، وليست خليطا من جماعات وعناصر متعدّدة الجنسيات، كما هو حال تنظيم القاعدة. والخشية ان يتجدّد نشاط طالبان باكستان في مناخ من سيادة مشاعر الثأر لمقتل الظواهري، وأن يخفق النظام القائم في كابول في قطع صلاته القديمة بها، على غرار فشله في قطع علاقاته مع تنظيم القاعدة، كما كشف عن ذلك وجود الظواهري في أحد الأحياء الراقية في العاصمة الأفغانية.

فيما يتمثل المحذور الثالث في الخشية من صعود قيادة "شابّة" خلفا للظواهري على رأس تنظيم القاعدة، ويتجدّد مع هذا التطور شباب هذا التنظيم الإرهابي. وتدور في هذا المعرض تساؤلات بشأن مغزى وجود بعض قيادات التنظيم، وفق أنباء متواترة ومتقاطعة، على الأراضي الإيرانية وحول الأطراف التي تمنح فرص الحياة والاستمرار لهذا التنظيم.