هل علاء الأسواني أسقط أحمد شفيق؟
احتاج المصريون 18 يوماً من الاحتشاد في ميادين التحرير، لكي يفهم حسني مبارك الرسالة، ويخرج من المشهد.
هي الأيام الخالدة في ذاكرة الثورة المصرية، لكن هناك ثمانية عشر يوماً تلتها، هي عمر الاحتشاد المتواصل في الميادين، من أجل إسقاط "ظل مبارك" أحمد شفيق، وهي أيضاً من الأيام الخالدة.
الفترة من 12 فبراير/ شباط وحتى الثاني من مارس/ آذار 2011 شكلت الـ18 يوماً الثانية من نضال الجماهير المصرية، حتى أدرك المجلس العسكري حتمية التضحية بالجنرال أحمد شفيق، وخلعه من رئاسة الحكومة، تماماً كما تجرّع قرار التضحية بحسني مبارك، وكان ذلك في لقاء هو الأول بين محمد البرادعي وقيادات الجيش، ضم تسع شخصيات، منها الكاتب الراحل سلامة أحمد سلامة وعمرو موسى ورجل الأعمال نجيب ساويرس، مالك فضائية (أون تي في) وآخرون.
انتهى اللقاء بقرار حاسم بالتخلّص من أحمد شفيق، قبل مليونية "جمعة الإصرار"، وقد نشرت هذا الخبر السار، ظهر الثلاثاء الأول من مارس/ آذار تحت عنوان "قريبون من إقالة شفيق"، وتناقلت مواقع صحافية أخرى الخبر على نطاق واسع، وتنفّس الميدان الصعداء.
إذن، رحل شفيق نتيجة صمود المتظاهرين وتمسكهم بإقالته، وليس نتيجة مبارزة تلفزيونية على فضائية نجيب ساويرس، شهدت تفوقاً من الكاتب علاء الأسواني على رئيس الحكومة المقال، كما يحلو لكثيرين ترويج الحكاية. وقد كتبت في اليوم التالي لهذه المبارزة أن الظهور الأخير للفريق أحمد شفيق رئيساً للوزراء، كان درامياً بامتياز، إذ توفرت له كل عناصر الإثارة والتشويق، وامتد إلى ما بعد منتصف الليل بكثير.
كان المشهد مثيراً فعلاً، شفيق في ناحية وفريق علاء الأسواني وحمدي قنديل في الناحية الأخرى، وبين الفريقين كان نجيب ساويرس (!!) على قناته الخاصة. وهذه كانت أغرب مبارزة تلفزيونية في تاريخ السياسة المصرية، حيث كان من المفترض أن فريقين سيتنافسان بالحجة والبرهان، كي يسقط أحدهما الآخر، هذا لو كانت الأمور طبيعية وتلقائية.
غير أن العجب العجاب أن الفريقين كانا يتنافسان في مباراة حسمت نتيجتها قبل أن تبدأ، فالفريق أحمد شفيق كان يعلم، يقيناً، قبل دخول الاستديو أنه لم يعد رئيساً لوزراء مصر، كما أن الفريق الآخر كان، على الأرجح، يعلم أن مرحلة شفيق انتهت، وأن شمس الجمعة لن تشرق على مصر إلا ومعها رئيس وزراء جديد.
جميع الأطراف كانت تدرك أنها تلعب بعد انطلاق صافرة نهاية المباراة، وما شاهده الجمهور من خشونةٍ متعمّدةٍ وعنفٍ غير مسبوق في الأداء داخل ملعب الحلقة، لم يكن إلا من عناصر الإثارة المطلوبة لصناعة مباراةٍ تحقق نسبة حضور جماهيري عالية. وفي ما بعد، قلت، تحت عنوان "عملية إعادة أحمد شفيق للحياة"، إنني ما زلت مصراً على أن كلا الطرفين دخل حلقة النزال، وهما يعلمان أن اسم رئيس جديد للحكومة سيعلن قبل الاحتشاد في جمعة الإصرار. ومن هنا، حاول شفيق استغلال المناسبة للحديث باعتباره مظلوماً ومغلوباً على أمره، أي باختصار، لم يفوّت الفرصة للّعب على مشاعر الجماهير.
وأزعم أن شفيق، ومَن خلفه من مليشيا الثورة المضادة، خرجوا فائزين من الحلقة، على الرغم من هزيمته الساحقة في النقاش والحوار، ذلك أن الجمهور طيّب وعاطفي أكثر من اللازم، بحيث تأخذه مشاعر الشفقة إلى التعاطف مع المهزوم، عندما يسقط بالضربة القاضية.
وأظن أن شفيق لم يكن ليحلم بهذه الفرصة، أن يجلس مبتسماً ومتحاوراً مع أناسٍ، كانوا يهتفون "لا حوار أو تفاوض إلا بعد سقوط النظام"، ولاحظ معي أنه، بعد الحلقة مباشرةً، خرجت أصوات تبكي "الشفيق"، بل وتعلن، بلا خجل، ترشيحه للانتخابات الرئاسية، حتى لو كان ذلك من قبيل النكتة السياسية.
وما كنا نعتبره "نكتة" صار واقعاً ثقيلاً، وترشح شفيق ودعمه نجيب ساويرس، وكاد يعود حاكماً من باب الرئاسة الكبير.
لعب علاء الأسواني أدواراً لا تُنكٓر في الدفاع عن الثورة، كما كان أداؤه رائعاً في مواجهة "شفيق الفلول"، غير أنه، مع الاحترام لدوره، لم يكن الحجر الذي أطار شفيق من أعلى شجرة السلطة.