Skip to main content
هل عاد الاغتيال السياسي إلى لبنان؟
وائل نجم

مفاجئاً ومدوّياً كان الإعلان عن اغتيال الناشط السياسي والكاتب والناشر، لقمان سليم، قبل أيام في جنوب لبنان، فالرجل المعروف بمعارضته الشديدة لمواقف حزب الله وسياساته، حتى مستوى الخصومة، هو ذاته الرجل الذي يقيم في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، على بعد أمتار قليلة من المربع الأمني الرئيسي للحزب، حيث أغلب المقرّات والقيادات الأساسية والرئيسية. وهو الرجل ذاته أيضاً الذي يتردّد باستمرار إلى جنوب لبنان في زيارات للأصدقاء أو في مناسبات أو غيره، وكان يخرج ويتحرّك حتى ليلاً من دون أن يشعر بأي شيء، والدليل أنّ عملية اغتياله، وكما أفادت المعلومات، تمّت بعد خروجه من منزل أحد أصدقائه في إحدى البلدات الجنوبية بعيْد الساعة الثامنة مساءً. وهو ذاته الذي يتجوّل في بيروت وأحيائها بشكل طبيعي، فيركب الباص رقم 4 كما كان يكتب على حسابه على "تويتر".

صحيحٌ أنّه تعرّض، كما كشف وتحدّث هو نفسه، لسيل من التهديدات بأشكال مختلفة ومتعدّدة، وفي أوقات متباعدة أو متقاربة، لكنّها تهديدات، وكما أوضح هو ذاته، كانت من بيئة وأشخاص غير معروفين، وكانت كتابات على جدران المنزل حيناً، أو اتصالات هاتفية من أرقام غير معروفة حيناً آخر، إلى غيرها من الأشكال الأخرى.

فور شيوع نبأ مقتل لقمان سليم، وبعد أن تبيّن أن مقتله نجم عن اغتيال بعدة رصاصات بالرأس والعنق، توجّهت أصابع الاتهام، بشكل أولي ومباشر، ومن وسائل إعلامية وكتّاب وسياسيين وغيرهم، إلى حزب الله بالوقوف خلف مقتله. هناك من تعامل مع هذا التصرّف على أنّه اتهام سياسي للحزب، وبالتالي عاد وقال إنّه ينتظر نتائج التحقيقات. وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، عندما حمّلوا حزب الله المسؤولية الفعلية والحقيقية عن مقتل لقمان سليم، واتهموه بأنّه من قتله. وفي مقابل ذلك، دان حزب الله جريمة القتل، ونفى أيّة مسؤولية عنها، ودعا إلى تحقيق يكشف الملابسات، ويجلّي الحقائق، ويضع النقاط على الحروف.

مقتل لقمان سليم اغتيال سياسي واضح، لأنّ القتل جاء في سياق الاستثمار والاستغلال السياسي

السؤال الأساسي الذي يبرز اليوم في الساحة اللبنانية، وبات يردّده كثيرون: هل عاد زمن الاغتيالات السياسية؟ ومن يمكن أن يقف خلف هذه الأعمال؟ أساساً، لم تتوقف الاغتيالات السياسية في لبنان حتى تعود. هي تمرّ بمراحل تأخذ فيها استراحة، إذا صحّ التعبير، ومن ثمّ تضرب من جديد عندما يجد الذين يقفون خلفها لهم مصلحة بذلك، أو عندما يجدون أنفسهم باتوا محاصرين ومأزومين. واليوم جرى الحديث، بل جرى التحذير من شخصياتٍ محليةٍ، ومن أجهزة أمنية، ومن شخصيات دولية أوروبية وغيرها من أنّ لبنان قد يكون مقبلاً على نوعٍ من هذه الأعمال الإجرامية، بالنظر إلى عدة عوامل، محلية وإقليمية ودولية، منها ما يتصل بانسداد أفق الحل السياسي في لبنان، ومنها ما يتصل باستخدام لبنان صندوق بريد في تبادل الرسائل بين القوى المتنافسة والمتصارعة في المنطقة، ومنها ما يتّصل بتصفية حساباتٍ كجزء من تهيئة المسرح اللبناني لما هو آت مستقبلاً. وربما يتصل ما جرى في عميلة قتل لقمان سليم، وبشكل من الأشكال، بما جرى من أحداثٍ ومواجهاتٍ وأعمال حرق وتخريب في طرابلس شمال لبنان قبل أيام.

على كل حال، وعلى قاعدة إنّ المتهم بريء حتى تثبت إدانته، أو أنّ البريء متهم حتى تثبت براءته، يمكن القول إنّ ما جرى اغتيال سياسي واضح، لأنّ القتل جاء في سياق الاستثمار والاستغلال السياسي، والجهات المستفيدة من ذلك أكثر من طرف، كما يتخيّل بعضهم. وبالتالي، يجب عدم استبعاد أي فرضية لكشف من يقف خلف هذا الاغتيال، ولكن تبقى المسؤولية الأساسية في جلاء صورة هذا المشهد، حتى يتبيّن للرأي العام فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود عند القضاء اللبناني والأجهزة المولجة بالتحقيقات، فإذا ما تعاملت مع الحدث بشفافية، وكشفت حقيقة الاغتيال وأهدافه، تكون قد وفّرت على البلد الكثير الكثير، وجنّبته مزيداً من الأثمان، وحمت مزيداً من الشخصيات أو الرموز أو الأشخاص العاديين الذين قد يكونون على قائمة الاستغلال السياسي والاغتيال. وإذا ما سلكت المسلك الذي سلكته في تحقيقاتها في قضية انفجار مرفأ بيروت، فإنّها بذلك تكون قد جعلت لبنان ضحية ذاك الاستغلال، نتيجة عجزها في مكان ما، أو نتيجة خوفها من أولئك الذين يمكن أن يفعلوا معها ما فعلوه مع لقمان سليم.