هل سيتراجع ترامب؟

16 فبراير 2025

ترامب في البيت الأبيض في واشنطن (11/2/2025 Getty)

+ الخط -

تفاءل عديدون من السياسيين العرب بتغيّر محدود برز في اللغة الأميركية المستخدمة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد لقائه الملك عبد الله الثاني. ففي تصريح على موقع البيت الأبيض، بدت اللهجة الأميركية باتجاه تهجير أهل غزّة أقلّ صرامة، وفي تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض استُبدِلَت اللغة الترامبية، لا بد، وعليهم (الأردن ومصر)، بكلمات أخرى: مثل الأفضل أو الأنسب، فيما قال وزير الخارجية، ماركو روبيو، الذي سيزور مصر والسعودية، أنّ الولايات المتحدة منفتحة على مقترحات الدول العربية وخططها.

على الصعيد العربي، هنالك تحضير للقمّة، وكما قال الملك خلال لقائه ترامب، هنالك دعوة من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لكل من الأردن والسعودية ومصر والإمارات وقطر (قمّة خماسية) لمناقشة التصور المصري لخطة إعادة إعمار غزّة، البديلة لعملية التهجير المطروحة أميركياً والمرحّب بها إسرائيلياً.

في سياق هذه التطورات، تتبدّى أسئلة عديدة: هل يمكن أن يتراجع ترامب عن مخطّطه أولاً؟ وثانياً، ما مدى أهمية ذلك؟ وما البديل العربي الذي يمكن أن تقدّمه مصر باسم الدول العربية؟

من الواضح أنّ ترامب حتى اللحظة الراهنة متمسّك بتصوره، وهو تصوّر، بالمناسبة، ليس طارئاً أو جديداً، بل متداول في أوساط يمينية إسرائيلية وصهيونية، وحتى في أوساط الإنجيليين، إذ يرتبط بعقيدة الترانسفير وإخلاء فلسطين من الفلسطينيين، وإن كان قد قدّم إلى ترامب بوصفه خطة اقتصادية تجارية، لكنّ فيه كمّاً كبيراً من الدسم العقائدي، الذي يدركه ترامب نفسه، وهو المدين للقاعدة الإنجيلية والتمويل الصهيوني في انتخابات عودته إلى الرئاسة أخيراً. بمعنى أنّ تراجع ترامب عن هذا الطرح، بعدما أكده وأصرّ عليه مراراً، سيتطلب تقديم عروض وأفكار تعرض مكتسبات لنتنياهو وجماعته مقابل هذا الطرح، بخاصة ما يتعلّق باليوم التالي في غزّة، ومصير حركة حماس، والتطبيع مع إسرائيل.

بالضرورة، الوقوف ضد مشروع التهجير، وإيقاف هذه الخطة الأميركية - الإسرائيلية على درجة كبيرة من الأهمية، لأنّنا نتحدّث عن نكبة ونزوح جديدين، ولن يقف عند قطاع غزّة، فما يحدث اليوم في الضفة الغربية أسوأ ولا يقل خطورة، بل هي الأكثر أهمية بالنسبة إلى إسرائيل استراتيجياً ودينياً. ومع ذلك، المشكلة الكبيرة أنّ "تسعيرة" وضع ترامب مقترحه بالدرج ستكون كبيرة جداً، نظراً إلى حجم الرهان الذي وضعه (بمنطق تفكيره هو طبعاً)، ولن يقل ذلك عن التخلي كاملاً عن سلاح المقاومة، وربما منح ضماناتٍ أمنية وعسكرية لإسرائيل، وإنهاء حركة حماس بالكلية في قطاع غزّة، والتمهيد لسيناريو خطير على صعيد الضفة الغربية، بالإضافة إلى التطبيع مع السعودية، التي وضعت شرطاً بناء مسار متكامل لإقامة دولة فلسطينية.

من هنا، المطلوب، عربياً، ليس فقط تقديم بدائل وأطروحات لسيناريو مرفوض إنسانياً وأخلاقياً، وحتى من أغلب الدول، بل المطلوب خطة استراتيجية للتعامل مع الهيمنة والعنجهية الإسرائيلية والطروحات والخيارات المتطرّفة والسياسات المستقبلية القادمة لإدارة ترامب، وهو أمرٌ يستدعي وجود تصوّر عربي مشترك متماسك لليوم التالي لغزّة وللقضية الفلسطينية، بل للنظام الإقليمي العربي البديل عن النظام الإقليمي الإسرائيلي الجديد، الذي يطرحه نتنياهو، اليوم، والذي لم يعد يهدّد الفلسطينيين فقط، بل هو موجود في جنوب لبنان، ويحتل جزءاً من سورية، ويهدّد الأمن الإقليمي بأسره، وهو وفريقه اليميني يحظون بدعم غير مسبوق، ولا مثيل له في التاريخ الأميركي من فريق يميني أميركي يحمل الرؤى والأفكار نفسها؟!

هل يمكن أن تخرج القمة العربية المنتظرة بمثل هذه السياسات، ولا أقول فقط المواقف؟ قطعاً، لا، وليس من المفروض أن نرفع سقف توقّعات الشارع العربي إلى نتائج لا توجد روافع ولا سياقات لها، ولا يوجد صلابة أصلاً في الموقف الرسمي العربي. فهنالك دول خارج التغطية بالكلية، وتباين بالمصالح والتصورات والمواقف، حتى في داخل الخماسية أو السداسية العربية، ما يعني أنّ أفضل ما هو متوقّع من القمة دعم الموقف المصري والأردني والصمود الفلسطيني ورفض التهجير، وتأييد الخطة المصرية التي ستأخذ طابعاً فنياً أكثر منه سياسياً.

هل هذا الموقف يكفي؟ بالتأكيد لا، ولن يغيّر في موازين القوى لذلك. المطلوب أن يكون هنالك بناء لتحالف إقليمي قادر على تعديل موازين القوى، ويمكن أن تُضاف إلى الخماسية العربية دول إقليمية وإسلامية لها قوة وحضور، مثل تركيا وباكستان، وبناء مقاربة أكثر شمولية للتعامل مع الواقع الخطير الجديد.

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.