هل درس السيسي اتفاق المبادئ قبل توقيعه؟

هل درس السيسي اتفاق المبادئ قبل توقيعه؟

13 يوليو 2021
+ الخط -

دعك من مزايدات الطرفين على بعضهما، مزايدات الإخوان المسلمين على النظام في مصر التي وصلت، في بعض صياغاتها، إلى حد الشماتة وتمنّي جفاف النيل، تصفيةً لحسابات سياسية، واستغلال إعلام النظام وكتائبه الإلكترونية، وهي الكتائب الوحيدة التي "تعمل بلقمتها"، هذه الخطابات في تحويل السجال من خطر سد النهضة الإثيوبي إلى خيانة المعارضة التي تتمنّى عطش المصريين وبوار أراضيهم، ولا تدعم الرئيس! لا أتفهم هذه المزايدات، ولا أحترم أصحابها من الطرفين، كما لا أتفهم، في المقابل، المزايدة و"والتقفيل" على أي محاولةٍ جادّة للكلام عن المسؤول .. من المسؤول عن هذه الكارثة؟ ولماذا تسبّب بها؟ ولماذا لا يجد الآن لها حلا سوى المزايدة على خصومه الذين انقلب عليهم، وحكم بعداوتهم، واستمر في تأجيج هذه العداوة، وما زالوا هم، وحدهم، مبرّر وجوده، وأكل عيشه؟
يقول المثل المصري: "العايط في الفايت نقصان عقل"، وهو تمصير شعبي للمثل العربي "لا تبك على اللبن المسكوب"، وهي الأمثال والحكم والمواعظ التي يمتلئ بها المجال العام المصري، الآن، فيما تملأ إثيوبيا السد، للمرة الثانية. وبصرف النظر عن عدم قدرتنا، أو قدرة أي أحدٍ في الدولة المصرية، على محاسبة المسؤول، أو مساءلته، فهو الدولة، وحده لا شريك له، فإن المساءلة "النظرية" واجبة وضرورية، إبراءً للذمة، ومحاولةً "شبه يائسة" لعدم تكرار مثل هذه الأخطاء، (تبدو العبارة الأخيرة كوميدية، وسأكون ممتنا للقارئ لو مرّرها). ليست هذه المساءلة بكاءً على "الماء" المسكوب، إنما محاولةٌ لترشيد هذا البكاء، حتى لا يتحوّل إلى "عديد" و"لطم" و"شلشلة".
لا يكفّ عبد الفتاح السيسي عن تذكيرنا الدائم بأنه لا يحقّ لنا، أو لأي أحد غيره، التحدّث في الشأن العام المصري، من دون معلوماتٍ كافية، بصرف النظر عن أن الدولة لا توفّر المعلومات لأحد، ولا تسمح بذلك، بل تعاقب عليه بالسجن، على نحو ما حدث مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، عندما أعلن عن معلوماتٍ، وظيفته الأساسية أن يراقبها ويعلن عنها، وعلى نحو ما يحدث مع أي باحثٍ أو صحافي يسمح لنفسه بنشر أي معلوماتٍ، وظيفته أن يوثّقها وينشرها، فيتهم فورا بنشر معلوماتٍ كاذبة حتى لو قدّم الدليل على صحتها، بالصوت والصورة. أحد أشهر فيديوهات الانتفاخ في أرشيف السيسي هي صورته وهو يخطف الميكروفون، و"يشخط" في أحد نواب البرلمان ويسأله غاضبا: "أنت مين؟".. هازئا: "نواب إيه؟".. مستعرضا: "أنت دارس الموضوع اللي بتتكلم فيه ده؟". وبالمناسبة، كان النائب يطالب بتأجيل زيادة أسعار الوقود إلى حين رفع الحد الأدنى للمرتبات إلى ثلاثة آلاف جنيه (أقل من 200 دولار)، فاستشاط السيسي غضبا، وهاج، وطالب النائب بأن يدرس ما يقول، ولم يناقشه بأدب، كما يطالب معارضيه، ولم يعارضه بمعلومةٍ، كما يزايد على معارضيه، ولم يحترم كون النائب ممثلا للشعب.
من هنا، يحق لنا أن نتساءل، ولو نظريا، وعن بعد، إذ لا يستطيع مصريو الداخل أن يسألوا أو ينطقوا أو يتنفسوا في "المجال الأكسجيني" للرئيس: هل درس السيسي اتفاق المبادئ، مع إثيوبيا والسودان، قبل توقيعه في 2015؟ وما الذي كان يقصده، حين قال أمام شاشات التلفزيون، عقب توقيع الاتفاق، إنه لا أزمة ولا مشكلة ولا تعارض في المصالح ولا داعي للقلق؟ وما الذي كان يقصده إعلام النظام حين تصدّرت صفحاته الأولى مانشيت "السيسي حلها"؟ ولماذا يأتي الحل؟ ولماذا بدأت إثيوبيا الملء الثاني وهي لا تلوي على شيء؟ ولماذا بدا موقفنا ضعيفا في مجلس الأمن؟ ولماذا لم يقف معنا أحد؟ ولماذا لم يدعمنا أحد؟ ولماذا تخلّى عنا الروس والإنكليز والفرنسيون وغيرهم، ونحن زبائن أسلحتهم الراكدة قبل الرائجة؟ لماذا اختفى الرئيس ولم يظهر ولم يتكلم ولم يوضح ولم يتوعد خصومه كعادته؟ وما نوع الدعم الذي ينتظره الرئيس من معارضيه؟ سؤال جاد: لو افترضنا أن الجميع وافق على دعم الرئيس .. ومن غير شرط، ومن غير مساءلة .. ومن غير "نَفَس"، كما يريد،.. ففيم ندعمه؟