هل خليجنا واحد؟
شعار مجلس التعاون الخليجي في مقر المجلس بالعاصمة السعودية الرياض (17/3/2022/ فرانس برس)
وصلت إليّ تعليقات وملاحظات كثيرة بشأن مقال الأسبوع الماضي، وكان بعنوان "بعد استهداف قطر... الخليج وأميركا". بعضها اتفق أصحابها مع ما ذهب إليه المقال، فيما اختلف آخرون مع محتواه، أو قدّموا إضافات أو إضاءات تثري النقاش حول الخلاصة التي انتهى إليها، بالدعوة إلى أن تعيد دولنا الخليجية النظر في اعتمادها على ما تحسبُه حماية أمنية وعسكرية أميركية لها من أية مخاطر، فيما أظهرت أدلةٌ كثيرة أن أميركا معنيّة بمصالحها ومصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، لا بمصالح حلفائها.
رأت تعليقات أنّ تصريحات ترامب عن علاقة إدارته مع دول الخليج تنمّ عن ابتزاز صرف لها، فهي، بالنسبة إليه، "سلّة مليئة بالأموال"، يسعى دوماً للغرف منها، وليس من أولوياته صون أمن هذه المنطقة، بل الدفاع عن أمن إسرائيل، والدعم السافر لسياستها العدوانية ضد العرب جميعاً، هو الذي جاهر بأنّ إسرائيل بحاجة إلى توسيع مساحتها على حساب الدول العربية المحيطة بها، في تماهٍ رخيص مع المشروع الصهيوني حول ما تسمّى "إسرائيل الكبرى".
انطلقت تعليقات أخرى على مضمون المقال من أنّ قادة الدول الخليجية وغيرها يدركون أن أميركا لن تتردّد في إطاحة أي "حكومة" إذا ما حاولت الخروج عن طاعتها، مع غياب المشروع العربي الموحّد فى مواجهة ذلك، "فمعظم دول المنطقة تعوم منفردةً فى بحر هائج ودون سند شعبى يمدّها بالقوة"، ورأى آخرون أنّ التعويل على قوى دولية جديدة غير أميركا في تأمين مظلة حماية دولية لبلدان الخليج وهم آخر، ودليلهم على ذلك الطريقة التي تخلّت بها موسكو عن حليفها النظام السوري السابق. وعليه، يرى هؤلاء، حكماً من الوضع الدولي الراهن، أنّ دول الخليج لا تستطيع التخلي عن أميركا، لكبح جماح الأطماع الإيرانية والتركية وسواهما، ما يعني، وفق هذا الرأي، أنّ "دول الخليج واقعة بين المطرقة والسندان"، فأميركا هي من يدير العالم، ولا تستطيع أي دولة عربية، أو غير عربية، أن تدخل في مواجهةٍ معها.
لا ضير في أن نعيد قول ما قلناه في المقال السابق، حول ما يشهده العالم من تغيّرات في اصطفاف القوى، يختلف في جوهره عن الذي كان قائماً فترة الحرب الباردة، فلا خلفية أو قاعدة أيديولوجية له، وإنما هو قائم، في غالبية جوانبه، على اعتبارات براغماتية صرفة، تنطلق من المنافسة الاقتصادية في المقام الأول، ولأنّ الاقتصاد يأتي أولاً في العادة، فتترتب عن ذلك شبكة مصالح ليس في وسع دول الخليج أن تكون خارجها بسبب ما تملكه من مخزون الطاقة، النفط والغاز تحديداً، وهذا ما أدركته هذه الدول، ولو متأخّرة، فنوّعت من علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع القوى الدولية الصاعدة كالصين وروسيا وغيرهما، ولكنها متردّدة في أن تمدّ هذا التعاون إلى مجالاتٍ أبعد لتحقيق المظلة الأمنية التي أشرنا إليها.
لا يتناقض هذا القول مع ملاحظة وجيهة أبداها على المقال الأكاديمي السعودي معجب الزهراني، المدير السابق لمعهد العالم العربي في باريس، عن عدم إشارتي إلى ضرورة تعزيز الوحدة الخليجية بوصفها الشرط الأساس لمواجهة التحدّيات الأمنية المختلفة، وهو مطلب قديم متجدّد، لكنّ العدوان الصهيوني على الدوحة لفت النظر إلى أهميته في الظروف المستجدّة التي تمرّ بها المنطقة.
كان المأمول أن يكون تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 منطلقاً نحو وحدة خليجية، تنشط الدعوات إليها في فترات وتخبو في أخرى، خصوصاً حين تتغلب عوامل ومظاهر الفرقة، وحتى الانقسام، بين بلداننا، على خلاف إرادة شعوب المنطقة التي كم تفرحها كلمات النشيد المعروف "خليجنا واحد" الذي كتب كلماته الشاعر الكويتي عبد اللطيف البناي، ولحّنه الموسيقار مرزوق المرزق، وأدّاه فنّانون شهيرون، بينهم الراحل عبد الكريم عبد القادر، وقدّمته، أولّ مرة، فرقة التلفزيون الكويتي للفنون الشعبية في 1984، بمناسبة انعقاد القمة الخليجية الخامسة، وما زال النشيد يُبث في المناسبات الوطنية وانعقاد القمم الخليجية وما إلى ذلك، فهي كلماتٌ تعكس الوجدان الشعبي العفوي. فمتى نبلغ المرحلة التي نحقق فيها شعار"خليجنا واحد" بالفعل لا بالقول، عبر وحدة خليجية صلبة قوامها سياسة خارجية منسجمة، ومنظومة دفاع موحدة وفعّالة، وتأمين شروط المشاركة الشعبية في رسم القرار؟ فأمن أي بلد أو مجموعة بلدان متحدة، لا يمكن تأمينه، وخصوصاً وقت الشدائد، من دون مشاركة شعوبها.