هل جاء الوقت لتتحوّل "فتح" حزباً؟

هل جاء الوقت لتتحوّل "فتح" حزباً؟

05 ابريل 2021
+ الخط -

رفض الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، قبيل عودته إلى الوطن عام 1993 فكرة تحويل حركة التحرير الوطني (فتح) حزبا، مؤكّدا أنها حركة جماهيرية واسعة، تضم الشيوعي والإخونجي. كان ذلك في تونس، عندما حاولت أن أجري مقابلة معه، وكان في الحضور ثلاثة من قادة الانتفاضة المبعدين، جبريل الرجوب ومروان البرغوثي وسمير صبيحات. والآن يجد اثنان منهم نفسيهما في تنافس بينهما على أصوات الجمهور، وتتعامل الحركة مع من شكّل قائمة انتخابية للمجلس التشريعي خارج "فتح" المركزية بمطالبة الجميع بالطاعة الحزبية لحركةٍ لا تزال غير قادرة على تحديد ما إذا كانت حركة تحرر أم حزبا (وهنا حزب حاكم). الوضع الفلسطيني خليط غير واضح، ففلسطين دولة ولكنها تحت الاحتلال، والانتخابات قد تجرى بحرية مجزّأة، لأن المحتل يسيطر على حركة الناس، وله القدرة على تفجير الانتخابات في أكثر من مدخل، ومنها بالطبع مدخل منع المقدسيين المشاركة ترشّحا وتصويتا، ولو عن بعد في صناديق البريد كما حدث مرات منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، والتي تحدّد كيفية مشاركة المقدسيين، أو بأبسط الأمور منع التواصل مع أسرى، حتى لو كان أحدهم مرشحا أو فائزا بموقع رئيس السلطة الوطنية.

ليس الخلاف الداخلي في حركة فتح مقتصرا على نشطائها، بل يهدّد الحركة الوطنية الفلسطينية بأكملها

تحدّث عضو مركزية "فتح"، ناصر القدوة، عن المشكلة بقوله "إننا في آن واحد نعمل على التحرّر وعلى بناء الدولة"، رافضا تفضيل أيٍّ من الأمرين، على الرغم من أن متطلبات التحرّر تختلف كليا عن متطلبات بناء الدولة... وليس الخلاف الداخلي في حركة فتح مقتصرا على نشطائها، بل يهدّد الحركة الوطنية الفلسطينية بأكملها. صحيح أن تعديل قانون الانتخابات عام 2007 أعطى فرصا للجميع للمشاركة على أساس التمثيل النسبي، قد يجنب مأساة 2006 عندما سيطر طرف واحد على أغلبية المقاعد، في حين ليس متوقعا الآن أن يحصل أي فصيل أو حزب أو قائمة على الغالبية، ما يعني أننا مقبلون على حكومة ائتلافية وهذا جيد. إلا أن كثرة القوائم وتعدّدها (36)، وكلها باستثناء قائمة حماس هي قوائم غير دينية، ما يعني أنه في حالة لم تتجاوز أي قائمة حاجز الـ 1,5% فإن تلك الأصوات ستحترق، في حين أن أصوات "حماس"، والمعتمدة على نشطاء ملتزمين لن تتضرّر، بل قد تستفيد الحركة كثيرا من التشرذم في الساحة الانتخابية.
لم يكن هناك ما يضمن أنه لو لم تنقسم "فتح" مجموعتين أو أكثر فإن عدد القوائم كانت ستصير أقل. ولكن زيادة قوة حركة وطنية ستقوّي من قدرتها على التحالف مع مجموعاتٍ صغيرة تجاوزت نسبة الحسم، والتي تقدّر بحوالي 25 ألف صوت (يمكن في حال ارتفاع نسبة التصويت أن تصل إلى 30 ألفا).
الموقف الفتحاوي طبعا أن عدد القوائم الفائزة لن يكون مهما، لأنها تنوي إقامة تحالف وطني بالأساس مع "حماس"، وربما مع آخرين، لإنهاء الانقسام. وبذلك ليس مهما هامش فوز "فتح"، بما أن القوائم الصغيرة لن يكون لها تأثير، ما دام هناك تفاهم مع "حماس" لإقامة حكومة وحدة وطنية.

قد يكون عباس، ومعه اللجنة المركزية لحركة فتح، ينتظر نتائج الانتخابات التشريعية، قبل تحديد المرشح الأفضل للرئاسة

المشكلة الأكبر التي تواجه "فتح" ليست فقط في تشكيل التحالف المتوقع، وإنما في حال نجاح قائمة الأسير مروان البرغوثي بالحصول على عدد كبير من الأصوات، كيفية التعامل مع موضوع من سيمثل "فتح" في الانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من دعم البرغوثي، لوجود زوجته المحامية فدوى البرغوثي في المرتبة الثانية في قائمة حرية، إلا أن الرجل التزم بتعهده بعدم المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي، مع إصراره، على ما شاع، على المنافسة في الانتخابات الرئاسية. والمهم هنا أيضا أن المفصول من حركة فتح أخيرا، ناصر القدوة، وعد بدعم البرغوثي في الانتخابات الرئاسية، إذا ترشح.
السؤال الذي لم يجب عليه أحد يتعلق بموقف الرئيس محمود عباس الذي كان قد أكد أنه لا ينوي الترشح للرئاسة، والمعروف أنه تجاوز 85 عاما. ومن الطبيعي أن يكون الوقت مناسبا لكي ينقل المسؤولية إلى الجيل الجديد، مع أن القادة في هذا الجيل، ومنهم الرجوب والبرغوثي، في ستينيات أعمارهم. وقد يكون عباس، ومعه اللجنة المركزية لحركة فتح، ينتظر نتائج الانتخابات التشريعية، قبل تحديد المرشح الأفضل للرئاسة. وقد يكون مناسبا دولة تحت الاحتلال أن يكون رئيسها المنتخب خلف القضبان، وفي هذه الحالة سيكون من الضروري إيجاد حلول آنية إلى حين قدرة الرئيس المنتخب استلام منصبه، ما يعني ضرورة وجود موقع نائب الرئيس. هل يمكن أن يتم انتخاب مروان البرغوثي، المعتقل لدى الاحتلال منذ عشرين عاما، ويكون نائبة محمود العالول، في حين يكون جبريل الرجوب رئيس المجلس التشريعي في حال فازت قائمته بأعلى الأصوات؟ وهل يوافق الرئيس، وخصوصا من هم حوله على قبول إرادة الشعب؟ أسئلة كثيرة بحاجة الى إجابة، والمطلوب الاستماع الدقيق لرغبة الشعب الفلسطيني، من دون التدخل وفرض إرادة.