هل توقف الهدنة الحرب في اليمن؟

هل توقف الهدنة الحرب في اليمن؟

07 ابريل 2022
+ الخط -

دخلت الحرب العبثية في اليمن، بعد ثمانية أعوام على نشوبها، مرحلةً جديدةً لم تتكشّف معالمها بعد، وذلك مع إعلان مبعوث الأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، موافقة كل الأطراف المتحاربة على هدنة إنسانية شهرين قابلة للتمديد، والبدء في تنفيذ وقفٍ لإطلاق النار مع أول أيام شهر رمضان في جميع الجبهات، وبات الأمل يسكن غالبية اليمنيين في أن تشكّل هذه الهدنة مفصلاً، يفضي إلى إيقاف الحرب في بلادهم، وأن يترجم الترحيب المحلي والإقليمي والدولي الواسع إلى جهود ضاغطة، من أجل التوصل إلى سلام دائم في اليمن.

ويُعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ نجاحاً لمساعي المبعوث الأممي إلى اليمن، وقد بذلها على مدى الأشهر الماضية من أجل تحريك الجمود الذي أصاب عملية السلام اليمنية منذ ما يقارب الأربع سنوات، وذلك بانتزاعه موافقة من كل أطراف الحرب على وقف العمليات الهجومية الجوية والبرية والبحرية داخل اليمن وعبر حدوده، وعلى دخول سفن الوقود ميناء الحديدة، واستئناف الرحلات التجارية من مطار صنعاء إلى جهاتٍ محدّدة سلفاً.

يبدو أنّ كل الأطراف الخائضة في الحرب اليمنية قد تعبت، ووصلت إلى قناعةٍ مفادها أن لا منتصر في هذه الحرب العبثية

وساهمت في التوصل إلى الهدنة وساطات ومبادرات ومشاورات، جرت في مسقط، وكذلك في عمّان، ثم بادر مجلس التعاون الخليجي إلى تنظيم مشاورات بين القوى والأطراف اليمنية، بما فيها جماعة أنصار الله الحوثي في الـ17 من الشهر الماضي (مارس/ آذار) في الرياض، من أجل حثّ الأطراف جميعاً على إجراء مفاوضات طوال شهر رمضان، لإطلاق عملية سياسية شاملة. كما أعلنت جماعة الحوثي في 26 مارس/ أذار الماضي أيضاً تعليق هجماتها بالطائرات المسيرة وبالصواريخ على السعودية ثلاثة أيام، وكذلك وقف هجماتها على الأرض في اليمن خلال الفترة نفسها، تلاها إعلان قوى التحالف بقيادة السعودية في 29 مارس/ آذار الماضي وقف عملياتها العسكرية في اليمن، وتزامن ذلك مع انطلاق مشاورات الرياض التي دعا لها مجلس التعاون الخليجي، بغية إنجاح المشاورات، وإيجاد بيئةٍ إيجابيةٍ لصناعة السلام، بحسب المتحدث باسم التحالف، تركي المالكي.

ويبدو أنّ كل الأطراف الخائضة في الحرب اليمنية قد تعبت، ووصلت إلى قناعةٍ مفادها أن لا منتصر في هذه الحرب العبثية، وأن الكل خاسر فيها، كونها أشبه بحرب استنزافٍ لجميع الأطراف المحلية الإقليمية المتحاربة، والخاسر الأكبر فيها هو اليمن وشعبه. ومع ذلك كله، تختلف حسابات القوى الإقليمية بعضها عن البعض الآخر، وبالتحديد حسابات إيران، من جهة أولى، والسعودية والإمارات من جهة ثانية. وربما كان قبول الهدنة بدافع أن كل طرفٍ في هذه الحرب يريد الحفاظ على مناطق سيطرته ومكاسبه، والاستماتة في الدفاع عنها حيال هجمات الطرف الآخر. يضاف إلى ذلك أن الأطراف الداخلية قد لا تلتزم حرفياً بوقف إطلاق النار، وستقوم بخروق، نظراً إلى عدم وجود خطوط تماسّ واضحة في مناطق القتال وجبهاته، إضافة إلى أن الهدنة لا تتضمّن نشر قوة حفظ سلام أممية أو دولية أو آلية مراقبة مستقلة، وبدلاً من ذلك سيجري تعيين ضباط ارتباط يعملون مع مكتب المبعوث الأممي على دعم الهدنة واحترامها. لذلك، تتخوّف غالبية اليمنيين من عدم صمود الهدنة وقتا طويلا، ومن أن تكون مجرد محطة توقف، من أجل لملمة الصفوف لخوض جولة جديدة من المعارك، أو أنها ستفضي إلى دخول اليمن مرحلة من النسيان، تسود فيها حالة من اللاحرب واللاسلم.

يتوقف إنهاء الحرب في اليمن على كلّ الأطراف اليمنية، وعلى القوى الإقليمية المتدخلة أيضاً

وترى غالبية اليمنيين أن نجاح الهدنة مرتبط بالتزام كل الأطراف بها، وتنفيذ حزمة من الخطوات اللازمة لاختبار الثقة الهشّة بين الأطراف وإثبات حسن نياتها، وبما ينعكس إيجاباً على حياة ملايين اليمنيين، والمفترض أن تجري بالتوازي في ما بينها، تمهيداً للوصول إلى سلام دائم، ويشمل ذلك إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وكشف مصير المختفين قسرياً، وإنهاء القيود والعراقيل على العمليات الإنسانية، وتغطية خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2022، ووقف كلّ أشكال التدخل والدعم الإقليمي للجماعات المسلّحة في اليمن، والإسهام في بناء دولة، تختلف عن الدولة الفاشلة التي كانت سائدةً قبل الحرب، والتي تصارعت فيها كلّ القوى السياسية من أجل نيل مصالحها الضيقة، وشهدت تشظّي المؤسستين، العسكرية والأمنية، إلى جانب تردّي الأوضاع الاقتصادية وانهيار الخدمات وانتشار الفقر، فضلاً عن تمرّد جماعة الحوثيين، والحروب الستة، وصولاً إلى احتلال العاصمة صنعاء في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2014، والحراك الجنوبي، وسوى ذلك.

وإذا كانت هدن سابقة قد باءت بالفشل، فإنّ الظروف تختلف هذه المرّة، سواء داخل اليمن أم خارجه، ويمكنها أن توفر بيئة مناسبة لإنهاء الحرب في اليمن، وعليه، وذلك إذا توفرت الإرادات بالوصول إلى السلام، وتغليب مصلحة اليمن وشعبه المقهور الذي يتطلّع إلى الخلاص من الكارثة التي ألمّت به منذ سنين طويلة، وجعلت أكثر من 20 مليون يمني يواجهون الجوع، وفي حاجة ماسّة إلى مساعداتٍ إنسانية عاجلة، بحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي الذي أصدره في أغسطس/ آب 2020. لذلك، يتوقف إنهاء الحرب في اليمن على كل الأطراف اليمنية، وعلى القوى الإقليمية المتدخلة أيضاً، وجميعها تعي أن الحل السياسي في اليمن يمكن الوصول إليه عن طريق الحوار والتشاور، ويتوقف على تبنّيها مشروعاً جامعاً يسير باليمن نحو بلد آمن، ويعمل على بناء دولة وطنية مدنية حديثة تتسع لجميع مواطنيها.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".