هل تنقذ واشنطن أوكرانيا أم مصالحها العالمية؟

هل تنقذ واشنطن أوكرانيا أم مصالحها العالمية؟

04 مايو 2022
+ الخط -

واضحٌ، بعد مرور أكثر من ستين يوماً على المعارك في أوكرانيا، أن أميركا، على الرغم من تصريحاتها السابقة عن الحاجة إلى البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية، لم تأخذ في الحسبان فقط احتمالية حدوث سيناريو عسكري، بل استعدّت أيضاً بنشاط لذلك، وعززت باستمرار خط المواجهة ضد روسيا، سواء داخل أوكرانيا أو في دول أوروبا الشرقية.

تتحدّث جميع الأحداث منذ عام 2014 عن هذا: إعادة هيكلة حلف الناتو، واعتماد برامج للتعزيز الاستراتيجي والتشغيلي للحلف، وبرامج التعاون العسكري واسعة النطاق مع أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، اعتمد "الناتو" على توسيع وتعزيز شبكة الشراكات مع "شركاء مهمين"، من بينها دول محايدة (السويد وفنلندا) ودول في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي (أوكرانيا وجورجيا)، واللافت أن أوكرانيا حصلت على وضع شريك الحلف. وجاءت الزيارة الرفيعة قبل أيام لأول مسؤولين أميركيين إلى كييف منذ بدء روسيا عمليتها العسكرية في 24 فبراير/ شباط الماضي، وزيرا الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن، استمراراً لتحرّكات واشنطن في مواجهتها غير المباشرة "الحرب بالوكالة" ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية.

ودأب بايدن، في جولته قبل أسابيع وزيارته عاصمة "الناتو"، واجتماعه مع قادة مجموعة السبع، واللقاء بالحلفاء الأوربيين، وانتقاله إلى بولندا، على تقديم أميركا أنها تتزّعم موقف "العالم الحر" كما يسمّيه في المواجهة ضد روسيا. وحملت زيارة وزيري الدفاع والخارجية العاصمة الأوكرانية رسائل عديدة تتجاوز محاولة إظهار دعم لتقوية موقف الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، بعد زيارة قادة أوروبيين، وإنما أيضاً استمرار التأكيد أن واشنطن تقود التحالف ضد روسيا، وأنها تواصل دعمها العسكري الذي هو الدعم الحقيقي، والملاحظ أنه انتقل من الأسلحة الدفاعية إلى الهجومية.

ترتبط دوافع الولايات المتحدة بشكل أساسي بمصالحها العالمية وضمان هيمنة أميركا على العالم وتعزيز أدوات التأثير على الحلفاء الأوروبيين

وذكر بيان نشر على الموقع الإلكتروني للرئاسة الأوكرانية، بعد لقاء بلينكن وأوستين الرئيس زيلينسكي، أن المحادثات ناقشت المساعدة في مجال الدفاع، وتعزيز العقوبات المفروضة على روسيا، والدعم المالي لأوكرانيا والضمانات الأمنية. وأفاد البيان أن الولايات المتحدة قدّمت 3.4 مليارات دولار دعماً لقدرات الدفاع الأوكرانية، ما يمثل أكبر إسهام لتعزيزها.

ترتبط دوافع الولايات المتحدة بشكل أساسي بمصالحها العالمية، أولاً، ضمان هيمنة أميركا على العالم، ثانياً، تعزيز أدوات التأثير على الحلفاء الأوروبيين، والواضح استخدام "الناتو" من نواحٍ عديدة في السياسة الأميركية كمنصة رئيسية لضمان التأثير على الحلفاء الأوروبيين، وليس عليهم فقط. ثالثاً، المصالح العسكرية للولايات المتحدة، والتي ترتبط تحديداً بجذب موارد شركائها (حلفاء الناتو بشكل أساسي) لتنفيذ خططها العسكرية الاستراتيجية. نحن نتحدّث عن توجيه نشاط "الناتو" إلى المجالات ذات الأولوية لواشنطن، وتعزيز الولايات المتحدة جبهة عريضة في الحرب ضد "روسيا في أوكرانيا" وسيلة لزيادة المساهمة الأوروبية في حلف شمال الأطلسي، وتعزيز الارتباط بالمجمع العسكري الصناعي الأميركي.

وبكلام آخر، يقلّل الاعتماد المتزايد لأوروبا على الولايات المتحدة في المجال العسكري - التكنولوجي والعسكري - الاقتصادي، بشكل كبير، من قدرة الأوروبيين على أي نوع من الاستقلال الاستراتيجي، أو تشكيل تحالف دفاعي. وهذا أيضاً دافع للولايات المتحدة، التي واجهت سابقاً مشكلات خطيرة مع الدول الأوروبية، بما في ذلك داخل "الناتو"، ويكفي التذكير ببدء الحرب على العراق عام 2003، والتي عارضتها ألمانيا وفرنسا. وواشنطن لم تعتمد على "الناتو"، بل على "تحالف الراغبين". هنا يمكننا أن نتذكر قمة "الناتو" التي عقدت في إبريل/ نيسان في بوخارست عام 2008، عندما رفضت أيضاً فرنسا وألمانيا رفضاً قاطعاً الاقتراح الملحّ من إدارة بوش المنتهية ولايتها بتزويد أوكرانيا وجورجيا بخطّة عضوية "الناتو". الآن، ومع ذلك، مثل هذه التجاوزات في المقاومة من الحلفاء الأوروبيين مستبعدة عملياً.

ليست مجرّد معركة، بل حرب من أجل إعادة تأكيد الهيمنة الغربية على العالم

أظهر الرئيس الأميركي، جو بايدن، منذ وصوله إلى البيت الأبيض موقفاً متشدّداً وحازماً مع روسيا. وبعد إعلان بايدن أن رئيس روسيا فلاديمير بوتين "قاتل"، بدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين واشنطن وموسكو. والواضح اليوم أن إدارة بايدن شكلت سياستها تجاه أوكرانيا من خلال استراتيجية التعامل مع روسيا بشكل أوسع، وطبيعة العلاقات بين موسكو وواشنطن حدّدت المسار في أوكرانيا، الذي بدأ بدعم أميركي حجمه 125 مليون دولار لقطاع الدفاع الأوكراني مطلع العام الماضي 2021، مع التأكيد على الاستعداد لتزويد كييف بأسلحة فتاكة.

وبالنسبة إلى أوكرانيا فمصالحها تكمن في استعادة وحدة أراضيها، وقد عملت ونجحت في استغلال زخم ومستوى جديد وغير مسبوق من دعم الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، كما حققت رغبتها في إظهار نفسها لدى الإدارة الأميركية أنها تواجه روسيا نيابة عن الغرب، وذلك بهدف الحصول على مزيد من الدعم. ومع بدء روسيا ما أطلقت عليها عملية عسكرية خاصة داخل الأراضي الأوكرانية قبل شهرين، تمكّنت كييف من إيقاف مشروع "السيل الشمالي 2"، الذي سيُنهي، في حال تشغيله، دور أوكرانيا دولة عبور محورية للغاز الروسي إلى أوروبا.

يبقى القول، بالنسبة لأميركا، أصبحت معركة أوكرانيا معركة روسيا، ومعركة روسيا ليست سوى المرحلة الأولى من المواجهة ضد الصين، وهي ليست مجرّد معركة، بل حرب من أجل إعادة تأكيد الهيمنة الغربية على العالم.