هل تلاقي دعوات الحوار في الجزائر آذاناً صاغية؟

هل تلاقي دعوات الحوار في الجزائر آذاناً صاغية؟

14 ديسمبر 2020
+ الخط -

تعيش الجزائر في المرحلة الراهنة إرهاصات وارتدادات ما بعد الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي نُظم في الأول من الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وشهد مقاطعة كبيرة من الجزائريين، إذ بلغت نسبة المشاركين 23.7%، وهي النسبة الأضعف في تاريخ الجزائر منذ استقلالها في عام 1962، فضلاً عن أن 33.20% من المشاركين في الاستفتاء رفضوا الدستور، فيما وافق عليه فقط 66.8% من المشاركين. وهذا يعني أن حوالي 87% من الجزائريين رفضوا الدستور الجديد، سواء من خلال التصويت بـ"لا" أم عبر المقاطعة.
وارتفعت أخيرا أصوات قوى وشخصيات سياسية ومدنية جزائرية تطالب بضرورة إجراء حوار وطني حقيقي، يشمل جميع القوى والفعاليات الوطنية، بغية التوصل إلى توافقات وتفاهمات مشتركة، لإبعاد الجزائر عن مفاعيل أزمات متعدّدة الأبعاد على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعمل على تصحيح المسار السياسي الذي فرضه قادة الجيش منذ صيف العام الماضي، لكن من غير المرجح أن تلاقي آذاناً صاغية لدى السلطة الجزائرية.

السلطة الجزائرية لم تلتفت إلى مطالب الحركة الاحتجاجية، بضرورة الانتقال الديمقراطي، عبر انتخاب جمعية تأسيسية، وإبعاد العسكر عن السياسة

ويحذّر دعاة الحوار الوطني من منعرجات أزمات وتحدّيات، حاضرة ومستقبلية، تحمل في طياتها مخاطر على الشعب الجزائري وعلى الدولة الجزائرية، وبما يلقي المسؤولية على القوى الحيّة للإسهام في تأسيس عهد جديد، واستكمال بناء الدولة الوطنية عبر مدرجات تشاركية، تؤسّس لتعاقد اجتماعي وسياسي، يفضي إلى تغيير سلمي يقطع مع النظام السياسي القديم الذي رفضه غالبية الجزائريين من خلال حراكهم الاجتماعي السلمي ومقاطعتهم المشاركة في مهزلة الاستفتاء الدستوري، الذي أقرته السلطة الحاكمة للالتفاف على مطالب الحركة الاحتجاجية الجزائرية بالتغيير السياسي، الأمر الذي يؤكّد ضرورة الاحتكام إلى حوار وطني لمعالجة الأزمات والمشكلات المتزايدة في الجزائر.
والمشكلة أن السلطة الجزائرية لم تلتفت إلى مطالب الحركة الاحتجاجية، المتمثلة بضرورة الانتقال الديمقراطي لتغيير النظام السياسي، عبر انتخاب جمعية تأسيسية، وإبعاد العسكر عن السياسة، وإصلاح الوضع الاقتصادي القائم على الاقتصاد الريعي وما يصاحبه من المحسوبية والفساد والأزمات المعيشية. إضافة إلى أن الشارع الجزائري بات يقارن ما بين مرحلة مرض الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، وإصابته بفيروس كورونا والمرحلة التي مرض فيها الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، في ظل تضارب المعلومات حول وضعه الصحي وغيابه الذي قارب الشهرين عن الجزائر، الأمر الذي يشي بأن السيناريو الذي عايشوه سابقاً في ظل نظام بوتفليقة لا يختلف كثيراً عما يعيشونه في المرحلة الراهنة، لأن السلطة لم تتغير كثيراً. ولذلك يطالب جزائريون بأن تطبق المادة 102 من الدستور الجزائري، التي تنص على أنه في حالة عجز الرئيس، يجب نقل الصلاحيات إلى رئيس المجلس التشريعي، والقيام بخطوات جدية لبناء توافقاتٍ يمكنها وقف التدهور المضطرد الذي تعيشه الجزائر على مختلف المستويات، وخصوصا على المستويين، المعيشي والاقتصادي.
ويرى ناشطون جزائريون كثر أن الاستفتاء على الدستور لم يحقق مطالبهم وطموحاتهم، ويفترق عما روّجته السلطة حول الحوار السياسي، لأن إعداده لم يضمن مشاركة غالبية قوى الشعب الجزائري، وساد نزوع واسع نحو المقاطعة والعزوف السياسي، بسبب عدم استعداد السلطة لاحترام الحريات الاساسية المفترض أن يضمنها الدستور، تلك المتعلقة بحريّة التعبير وتنظيم التجمعات والمظاهرات السلمية، وبالتالي فشل الرهان على الدستور في إعطاء شرعية سياسية للمسار الذي رسم بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وجاءت بالرئيس عبد المجيد تبون.

يرى ناشطون جزائريون كثر أن الاستفتاء على الدستور لم يحقق مطالبهم وطموحاتهم، ويفترق عما روّجته السلطة حول الحوار السياسي

ولم تكن الغاية من الدستور الجديد سوى الشرعنة لتدخل الجيش في الحياة السياسية من باب "الدفاع عن المصالح الحيوية والاستراتيجية للبلاد"، أي أن الطبقة الحاكمة في الجزائر وضعته كي تشرعن نفسها سياسياً، غير آبهةٍ بمطالب الحراك الاحتجاجي الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير/ شباط من العام 2019، وتمكّن من إسقاط بوتفليقة الذي يبدو أن ركائز نظامه السياسية والعسكرية والأمنية ما زالت باقية وتتمدد، وهي لا تتقيد بأي ضابط دستوري أو قانوني، وتضع نفسها خارج أي قيد أو إلزام، خصوصا أنها تمكّنت من عرقلة الانتقال الديمقراطي الذي يطالب به الجزائريون. لذلك لم تفض إطاحة الرئيس بوتفليقة إلى إطاحة أركان وقوى نظامه النافذة، بل إلى استمرار الطبقة العسكرية والأمنية والسياسية في القبض على مختلف مفاصل السلطة، وهو أمر عبر عنه ناشطو الحراك الجزائري بالقول إن "نصف العصابة السوداء في السجن ونصفها الآخر في السلطة". وهو أمر ينطبق على بلدان عربية عديدة شهدت إجهاض ثورات وحركات احتجاجية في السنوات الأخيرة.

يسود شعور عام بالإحباط والخيبة من نهج السلطة الجديدة، يضاف إليه الإحساس بعدم ثقة بمن استلموا الحكم بعد الاستقلال والخلاص من الاستعمار الفرنسي

ومنذ إطاحة العهدة الخامسة لبوتفليقة، لم تسجل أي بداية لجزائر جديدة تنهض على الشفافية والديمقراطية وتسير نحو النمو الاقتصادي، حيث لم تتغير الأوضاع كثيراً، بل يستمر التضييق على الحريات. ولم يسلم الناشطون من حملات الملاحقة والاعتقالات، فيما تعاني وسائل الإعلام من سيف المراقبة والتضييق، إضافة إلى حجب المواقع الإلكترونية. لذلك يسود شعور عام بالإحباط والخيبة من نهج السلطة الجديدة، يضاف إليه الإحساس بعدم ثقة بمن استلموا الحكم بعد الاستقلال والخلاص من الاستعمار الفرنسي، وحكموها تحت عباءة الشرعية الثورية التي استحوذ عليها حزب جبهة التحرير الوطني، وتوقفوا عندها، فلم يتغيّروا بتغير الزمان والأحوال، طوال ما يقارب الستة عقود، حيث وضعوا واجهات مدنية في السلطة، بينما كان الحكام الفعليون هم جنرالات الجيش وقادة أجهزة الأمن وما يزالون، وبالتالي من غير المرجّح أن يولوا أي اهتمام بدعوات الحوار الوطني، لأن ليس همهم التصدّي للأزمات والتحدّيات التي تعصف بالجزائر والجزائريين، ولا تلبية طموحات ومطالب الشعب ومصالح الدولة.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".