هل تشمل صفقة القرن الرئيس مرسي؟
هذه الحالة الموسمية من الهذيان السياسي، والصفاقة الوقحة، ضد الرئيس الأسير محمد مرسي، ليست غريبة ولا جديدة، إذ تندلع في مثل هذا الوقت من كل عام، فيما يشبه أعراض تغير الفصول على بعض المرضى النفسيين.
لكن جديد هذا العام أنها تتخذ طابعاً أكثر خسّةً ونذالةً من أطرافٍ يختبئون خلف وجوه جديدة ممن ألقت بهم حافلة الانقلاب العسكري على شواطئ المتوسط، فعبروا إلى الشمال، أو يمكنك القول إنه تم ابتعاثهم إلى شمال المتوسط، في مهام محدّدة.
تأتي هيستيريا إقصاء المقصي وإبادة المباد، هذه المرة، استجابة لوهمٍ جديدٍ زرعته السلطات في مصر، يقول إن ثمة تغييراً داخلياً وشيكاً في منظومة الحكم العسكري، بحيث يختفي الجنرال ويأتي جنرال آخر، وبالتالي تنشط جماعة متعاطي الأوهام في القيام بأدوار استباقيةٍ لتنظيف التربة تحت أقدام العسكري القادم.
وإمعاناً في الحبكة، لا بأس من إضافة عناصر أكثر إثارةً تضفي أجواءً تشبه ما يكتنف موضوع صفقة القرن الإقليمية، فتشتعل الثرثرة عن صفقة قادمة بين الإخوان والعسكر، لإيجاد مسوّغ للوثة النهش والخمش في أناسٍ مبتلعين في عتمة الزنازين منذ خمس سنوات، وتتجدّد معزوفات الافتراءات والأكاذيب، المنسوبة إلى مصادر خفية، بحق الرئيس محمد مرسي، واتهامه مرة بالاستبداد في الحكم، ومرّات بالضعف والخضوع للعسكر.
هنا، لابد من الاعتراف بقدرات سلطات عبد الفتاح السيسي في اللعب بكل الخيوط، وكل الأطراف، لتتأجج "العركة" بين المهزومين، ويزداد السباق الوهمي سخونةً بين مجموعة من المصابين بالكساح السياسي، فاقدي القدرة على فعل أي شيء، إلا النبش في الحواديت التي قتلت حكياً، من دون دليلٍ واحد على صحتها.
ومن هذه الحواديت واحدة تجري على ألسنة مختلفة، مؤدّاها أن الرئيس مرسي، وجماعة الإخوان، كانوا مطمئنين إلى أن الجنرال عبد الفتاح السيسي في جيبهم، وتبدأ السردية بعبارة "سمعتها منهم بنفسي في مقر الحكم"، حتى يخيل إليك أنها كانت بنداً ثابتاً في مراسم استقبال أي عابر سبيل يذهب لزيارتهم، وقبل أن يسألوك عن مشروبك المفضل، يرحبون بك قائلين "السيسي في جيبنا".
والثابت تاريخياً أن هذه العبارة أول ما تردّدت لم تكن على ألسنة الإخوان، كما لم يكن ناقلو رسالة الطمأنة إلى قصر الحكم، قبل الانقلاب بأسابيع، من الإخوان، مع الوضع في الاعتبار أن ناقل الخدعة، بحسن نية، ليس بمخادع.
وفي ذلك، تقرأ على موقع حزب الوسط، مثلاً، نقلاً عن موقع "اليوم السابع" بتاريخ 12 مايو/ أيار 2013 أن ثلاثي القيادة العليا اجتمع مع قادة القوات المسلحة الذين أكّدوا لوفد الحزب، احترامهم رئيس مصر المنتخب، أيا كان اسمه، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وقال نائب رئيس الحزب، عصام سلطان، إن "القادة شدّدوا على أن الجيش لن يخوض أية معارك سياسية بالنيابة عن فصيل سياسي، خاصة إذا كان هذا الفصيل ليس له وجود في الشارع المصري". وأوضح سلطان "أن الحزب مطمئن إلى أن قيادات الجيش لن تنخدع بمقالات مدح مدبرة، أو نشر فيديوهات استعطاف لاستمالة الجيش لتغيير قراره، مؤكدا أن القوات المسلحة عازمة منذ البداية على عدم العودة إلى الحياة السياسية".
أخيراً، ليس من المروءة في شيء، أن تختبئ خلف السواتر، وتأتي بفأر تدهنه بالكيروسين وتشعل فيه النار، وتطلقه في مخازن التاريخ القريب جداً، لتشتعل حرائق الإدانة لمن لا يملكون حق الرد. كما أن من السذاجة أن يتخيّل أحدٌ أنه سيحصل من العسكري اللاحق على أفضل مما حصل عليه من العسكري السابق، فمن يفعل ذلك إما غبي أو سمسار في جمعية "أي بيادة في رغيف" المنبثقة عن الشركة القابضة للاصطفاف الوهمي.