هل تذهب مصر إلى حرب مع إثيوبيا؟

هل تذهب مصر إلى حرب مع إثيوبيا؟

08 يوليو 2021
+ الخط -

غير منكرين الحق الإثيوبي في التنمية، نحن متمسكون بالمفاوضات للوصول إلى اتفاق شامل وعادل. هذا هو الخطاب الرسمي للنظام المصري حتى اللحظة. في المقابل، وبالطريقة نفسها، لا تبالي إثيوبيا بهذا الخطاب، وتضع نصب عينيها شيئاً واحداً؛ الهيمنة السياسية على نهر النيل والتحكّم بدولتي المصب (مصر والسودان)، معلنة، في تصريحات لمسؤولين فيها، أنّ خطة الملء الثاني مستمرّة ولن تتوقف، وأنّ الجيش الإثيوبي على أهبة الاستعداد لهذا الأمر. اتسم المفاوض الإثيوبي، منذ اللحظة الأولى، بأمرين أساسيين: اللعب على عامل الوقت واستهلاكه لاستكمال بناء السد حتى يصبح أمراً واقعاً، إلى جانب المراوغة واستغلال حسن النية التي أبداها المفاوض المصري. ولا تلام إثيوبيا على ذلك، بل اللوم كلّه يقع على المفاوض المصري، وفي المقدمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي وقّع على اتفاق المبادئ الذي كان بأكمله على الأرضية الإثيوبية، وهو الأمر الذي جعل الجميع يسأل لماذا فعل الرئيس ذلك؟

اتفاق المبادئ الذي ذكرت مجلة "نيوزويك" أنّ أبو ظبي رعته، بإشراف محمد دحلان، كان خدعة كبرى، المقصود منها توريط مصر ومحاصرتها

مع اشتداد الأزمة، وبداية الملء الثاني للسد، نرى أنّ مصر والسودان اتجهتا مجدّداً إلى مجلس الأمن، لاستصدار قرار يلزم إثيوبيا باتفاقٍ ملزم، وهو ما يتوقع عدم نجاحه، ما يعني تضييق الخناق أكثر على القاهرة، ويجعل خيار الحرب هو المتبقي، لكنّه ليس الخيار اليسير، فيبدو أنّ النظام نفسه يتخوّف من القيام بهذه الخطوة، ما ستكون له تداعياته الكبيرة على أمنه واستقراره، فالنظام المصري، كما هو معروف، يضع أمنه، أولاً، في المرتبة الأولى، مقدماً على أيّ شيء آخر. لكن، إذا تأزم الموقف، لا بدّ من اتخاذ مثل هذه الخطوة. صحيحٌ أنّ خيار الحرب سيكون مكلفاً، فمن المؤكد أن تؤدي الضربة المصرية لسد النهضة إلى نشوب حرب مع إثيوبيا، والتي يبدو أنّ لديها قدرات جوية متطوّرة نسبياً، ظهرت خلال حربها عام 1998 مع إريتريا، إلي جانب استحواذها أخيراً على أنظمة الدفاع الجوي المتنقلة الروسية Pantsir-S1. وسيجعل هذا كله هذه الخطوة مكلفة بالنسبة للقاهرة. لكنّ هذا لن يمثل عائقاً كبيراً، كما يتوقع بعضهم أمام القاهرة التي لديها أسلحة متطوّرة، منها طائرات "سوخوي" الروسية و"رافال" الفرنسية، إذ طلبت القاهرة من موسكو حوالي 20 طائرة روسية من طراز Su-35، وهو الأمر الذي هدفت القاهرة من خلاله إلى تجاوز الرفض الأميركي بيعها طائرات F-15، وإعطائها بدلاً منها المقاتلة F-16 ذات المدى القصير، على الرغم من بيع F-15 إلى إسرائيل والعربية السعودية، ولعلّ القاهرة حاولت تجاوز هذا الرفض الأميركي، على الرغم من تحذيرات مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من عقوبات أميركية محتملة، لو أقدمت القاهرة على ذلك، وهو ما لم تعره القاهرة انتباهاً. لكن، يتبقى أمر آخر، وهو الأهم هنا. لكي تقوم مصر بتلك الضربة لا بدّ من أن تستخدم الأراضي السودانية، وبالطبع ستكون لهذا تداعياته على السودان الذي لم يحسم موقفه في تلك المسألة. صحيح أنّ فكرة ضرب السد ليست جديدة، فنظام حسني مبارك كان يعدّ العدة لتوجيه ضربة للسد لو تم إنشاؤه، من خلال قواعد عسكرية في السودان، لكن مع تغير الخريطة السياسية السودانية بعد إطاحة عمر البشير، سعى النظام المصري إلى توسيع اتفاقاته العسكرية مع عدد من الدول الأفريقية، ففي مارس/ آذار الماضي، تم توقيع اتفاق دفاع مع السودان. وفي إبريل/ نيسان الماضي، وقع نائب رئيس المخابرات العسكرية المصرية، اللواء سامح صابر الدجوي، اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوغندا. وفي الأسبوع الثاني من الشهر نفسه، قام رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق محمد فريد حجازي، بتوقيع اتفاقية تعاون دفاعي مع نظيره البوروندي في القاهرة.

ويطرح هذا سؤالاً مهماً: لو ذهبت القاهرة إلى الحرب، ووجهت ضربة عسكرية للسد، هل ستؤيدها الخرطوم أم ستذهب منفردة؟ تتحدّث التصريحات الصادرة من المسؤولين السودانيين عن وجود خيارات سياسية واقتصادية وغيرها يمكن اتّباعها للرد على أديس أبابا، إذا ما استمرّت في التصرف أحادي الجانب وملء السد، من دون الوصول إلى اتفاق ملزم مع دولتي المصبّ، لكن لا حديث عن الخيارات العسكرية. وهذا ما سيجعل القاهرة تفكر مراراً وتكراراً قبل أن تقدم على تلك الخطوة. فلكي تقوم القاهرة بذلك ستحتاج لنشر قوات عسكرية في السودان، لتقوم بضربة جوية لسد النهضة. وإذا لم يتحقق ذلك، ستكون هناك صعوبات تواجه القاهرة. حينها أيضاً لن توجد إمكانية عسكرية أو استراتيجية تؤدي إلى سماح جيبوتي أو إريتريا باستخدام مصر أراضيهما قواعد عسكرية تنطلق منها عملياتها تجاه إثيوبيا من ناحية البحر الأحمر، فالقرار لدى الأولى مرتبطٌ بشدة بالعلاقة مع الولايات المتحدة ودول الخليج التي يساند بعض منها الجانب الإثيوبي، ويدعم سد النهضة، وفي مقدمتهم الإمارات، ولدى الثانية ارتباط بالقوى الغربية الموجودة هناك.

ما يهم في المقام الأول وضع حد لتلك العربدة والتعجرف الإثيوبيين من أجل الهيمنة السياسية على مياه النيل

إذاً، دخول مصر في حرب أو توجيه ضربة للسد في الأراضي الإثيوبية يستلزم موافقة الجار السوداني، فعلي الرغم من أنّ لدى الخرطوم أسباباً عدة للغضب من أديس أبابا، لا بدّ من أن تكون هناك عملية إقناع لها، إذ لم يحسم هذا الأمر، وبالتالي ما زال موقفها متذبذباً في المسألة، ولا تعرف من ستميل كفته، على الرغم من الأضرار الكبيرة الواقعة على السودان من الجار الإثيوبي، فإذا كانت مصر متضرّرة من سلوك إثيوبيا في أزمة سد النهضة فقط، فإنّ السودان متضرّر من إثيوبيا جرّاء أزمات عدة، منها سد النهضة والمشكلات الحدودية والتدخل الإثيوبي في شؤونه الداخلية، وإن حدثت الموافقة على استخدام أراضيها فسيكون ذلك من خلال تقديم الجيش المصري الدعم للسودان لمواجهة الجارة الإثيوبية، من خلال تزويد السودان بمعدّات عسكرية لتقليل الفجوة، مع إثيوبيا. والأهم أنّه قد يشمل دعماً جوياً من الطائرات المصرية للقوات السودانية، وقد تمكّن الفوضى الناجمة من هذا السيناريو القوات الجوية المصرية من قصف سد النهضة، لكنّ ذلك كله يبقى مرهوناً بموافقة السودان وحسم موقفه.

بالعودة إلى النظام المصري وما يدور في أروقته، يبدو أنّه يرى خيار الحرب ذا توابع كبيرة، وقد تهدّد وجوده. لذا أطلق عدداً من أبواقه الإعلامية، تقول إنّ شنّ الحرب المصرية على إثيوبيا قد يؤدّي إلى تفكك إثيوبيا، ما يعني انتشار الإرهاب وهيمنة حركة الشباب الصومالية المدعومة تركياً، كما أنّ ذلك سينعكس على السودان الذي تجمعه حدود مشتركة مع ليبيا، وبالتالي سيؤثر علي الوضع الليبي، ما سيفيد الجانب التركي الموجود في ليبيا. وطبعاً من دون الدخول في تفكيك هذه النقاط والرد عليها، يكون السؤال الأهم: إذا كان الأمر كذلك، كما يروّج النظام وإعلامه، لماذا لم يضع الرئيس المصري منذ البداية هذه التعقيدات حينما وقع على إعلان المبادئ، وكانت بنوده على الأرضية الإثيوبية بالكامل، أم أنّ النظام أدرك متأخراً، بعد فوات الأوان، أنّ اتفاق المبادئ الذي ذكرت مجلة "نيوزويك" أنّ أبو ظبي رعته، بإشراف محمد دحلان، كان خدعة كبرى، المقصود منها توريط مصر ومحاصرتها. بين دعوات الإعلام المصري بالاصطفاف خلف القيادة السياسية، ودعم أي قرار سيتم اتخاذه، تبقى الحقيقة الواحدة أن هذه القيادة هي المسؤولة مسؤولية كاملة عن وصول الموقف إلى هذه المستوى من التعقيد. أيّاً كان موقف النظام المصري أو ردّ فعله، فما يهم في المقام الأول وضع حدّ لتلك العربدة والتعجرف الإثيوبيين من أجل الهيمنة السياسية علي مياه النيل، وجعل القرار السياسي المصري مرتهناً بها، وإنهاء وجود هذا السد أو التحكّم فيه بأيّ صورة، فمعنى وجود هذا السد تهديد لوجود مصر وشعبها.

BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.