هل تدخل تركيا قريباً نادي "شنغن"؟

هل تدخل تركيا قريباً نادي "شنغن"؟

12 أكتوبر 2021
+ الخط -

تناول الجانب الاقتصادي مهم للإجابة عن سؤال إمكانية ضم تركيا إلى مساحة التحرّك الأوروبية الحرّة التي تعرف باسم "شنغن"، فكل ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي الذي كانت نواته شراكاتٍ صغيرة في المواد الخام هو بالأساس اقتصادي. التنافس التجاري الذي تسبّب بمحنة الاستعمار التي عاشتها دول وشعوب كثيرة، وتسبّب في إشعال أكثر الحروب دموية وتدميراً، كان أيضاً وراء التفكير في إنشاء هذه المجموعة.
يمكن لهذا العامل الاقتصادي أن يفسّر لنا كذلك حماس بعض الأوروبيين لضم تركيا التي ينظر إليها سوقا كبيرا للموارد وللطاقات البشرية واقتصادا خصبا وناهضا. وهذا لا يعني تناسي الحساسيات الموجودة بين الطرفين، ووجود تنافس ثقافي لا يقل أهمية، في بعض الأحيان، عن التنافس الاقتصادي، خصوصا مع وجود أشخاصٍ مثل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي يعطي نفسه مكانة مزدوجة، حاميا للعلمانية والكاثوليكية. على الرغم من ذلك، ربما يكون ضم تركيا ممكناً، مثلما كان التعاون بين أعداء الأمس، فرنسا وألمانيا، ممكناً، بل إن فكرة الاتحاد كانت بُنيت أساساً على فكرة الانخراط البناء: تجنّب الحروب والصراعات المستقبلية، من خلال العمل على تشبيك المصالح العابرة للحدود. هذا التشبيك الذي تعلو فيه لغة المصلحة والتعاون كان قادراً على تذويب الاختلافات بين الأطراف المختلفة والتقليل من أثر التباينات العرقية والدينية.
هل يمكن تطبيق ذلك في الحالة التركية التي تظل بعيدةً عن المثال الفرنسي الألماني؟ يبدو ذلك صعباً باستحضار الواقع الجيوبوليتيكي الحالي، ففي حين كان الأوروبيون يحاولون توحيد جبهتهم الداخلية بالحديث عن وحدة الأهداف والمصير وبتعزيز فكرة التهديد الخارجي التي كان يمثلها الاتحاد السوفييتي حتى سقوطه بالدرجة الأولى، كان يتم النظر إلى تركيا، وريثة الخلافة الإسلامية، هي الأخرى، عدوّا محتملا. تعمّقت هذه النظرة أكثر حينما شبّت تركيا عن الطوق، وتجاوزت تسمية "رجل أوروبا المريض"، لتبدأ في التعامل بندّية مع دول الجوار الأوروبي. خير مثال لهذا ما تابعناه هذا العام من توتراتٍ ومعارك دبلوماسية اشتدّت بين كل من فرنسا وتركيا، واتخذت من مساحات إقليمية مختلفة مسرحًا لها. مع هذا، وإن لم يُعترف بها دولةً أوروبية، لا يمكن إنكار مجاورة تركيا أوروبا، كما لا يمكن إنكار أهمية موقعها، سواء بالنسبة للأوروبيين أو لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي توصف بأنها أهم عضو فيه بعد الولايات المتحدة.

سعت الدول الأوروبية إلى عقد اتفاقات مشابهة مع عدد من دول الجوار، إلا أن الجدل بشأن الاتفاق مع أنقرة كان الأكبر

وأخيرا، ظهرت الأهمية الجيوبوليتيكية لتركيا إبّان أزمة اللاجئين السوريين. حينها لم تملك، حتى أكثر الدول الأوروبية تشدّداً، إلا أن تسعى إلى التفاهم مع أنقرة التي كان بإمكانها أن تغرق أوروبا باللاجئين. وبالفعل، توصل الجانبان، الأوروبي والتركي، إلى اتفاق هجرة مهم في مارس/ آذار من العام 2016، كان يقضي بأن تقوم تركيا بتوطين اللاجئين العابرين، وبمنعهم من الوصول إلى اليونان في مقابل مساعدات أوروبية، وحزمة من الدعامات الاقتصادية التي تجعلها تتحمّل هذا العدد الكبير والمتفاقم من اللاجئين.
على الرغم من أن الدول الأوروبية سعت إلى عقد اتفاقات مشابهة مع عدد من دول الجوار القريب والبعيد، كدول الشمال الأفريقي وكالسودان الذي كان قد أصبح، هو الآخر، دولة عبور مهمة للاجئين القادمين من الشرق الأفريقي، إلا أن الجدل بشأن الاتفاق مع أنقرة كان الأكبر، لعدة أسباب، أهمها التوترات التي كانت تطرأ بين حين وآخر بين تركيا وجيرانها، والتي كان يحلو لسياسيين كثيرين توظيف هذا الاتفاق ضمنها، بادّعاء أن تركيا تقوم بما يشبه الابتزاز مقابل تنفيذ تعهداتها.
الحقيقة أن تركيا كانت تتعامل مع هذا الاتفاق بجدّية، حيث كانت تدرك حجم الخدمة التي كانت تقدّمها للدول الأوروبية التي كانت تملأ الدنيا ضجيجاً إذا استقبلت أراضيها بضعة آلاف من اللاجئين، في الوقت الذي كانت تركيا تستقبل فيه أعدادًا غير محدودة منهم. في مقابل هذه الخدمة، كان الأتراك يتحدّثون عن الشراكة البناءة، فمثلما لا يمكن إجبار الدول الأوروبية على استقبال جميع الراغبين في الوصول إليها، فإنه يظل على هذه الدول عبء المشاركة المادّية في تحمّل الأعباء، وهو أقل ما يمكن المطالبة به لإيجاد تعاونٍ مثمر ومرضٍ لجميع الأطراف.

لم يقم الجانب الأوروبي بأي خطوة إيجابية في ما يتعلق بالتأشيرات، وهو ما جعله الطرف الذي يتنصّل من التزاماته

النقطة المهمة هنا هي أنه، وبالإضافة إلى حزمة المساعدات المالية، والتي تتهم فيها أنقرة شركاءها الأوروبيين بالتلكؤ والتوقف عن سداد مبالغ وصلت إلى أكثر من ستة مليارات يورو، فإنه تم الاتفاق أيضاً على إلغاء شروط التأشيرة الأوروبية بالنسبة للمواطنين الأتراك في نهاية العام 2016. ذلك كان يعني أن تكون تركيا جزءاً من مساحة الحركة الأوروبية الحرّة التي تعرف باسم منطقة شنغن، والتي تضم 26 دولة. ولا يعني إلغاء التأشيرة أن تركيا سوف تصبح جزءاً من الاتحاد الأوروبي، فمعروف أن هناك دولا تتمتّع بحرية الحركة الأوروبية، لكنها، سياسياً، ليست جزءاً من الاتحاد، كآيسلندا والنرويج وسويسرا وليشتنشتاين. مع ذلك، يعدّ الحصول على حرية الحركة خطوة لا يمكن التقليل من شأنها في طريق استكمال الاندماج في البيئة الاجتماعية والاقتصادية الأوروبية.
لم يقم الجانب الأوروبي بأي خطوة إيجابية في ما يتعلق بالتأشيرات، وهو ما جعله الطرف الذي يتنصّل من التزاماته، في الوقت الذي يطالب فيه تركيا بأن تكون أكثر صرامةً مع اللاجئين على أراضيها، وأن تعمل على استعادة جميع المغامرين الواصلين، أو الذين هم في طريقهم إلى حدود القارّة. وقد عادت هذه القضية، قبل أيام، إلى السطح، بعد تصريح السياسي اليوناني، نوتيس ميتاراتشي، والذي دعا فيه الأوروبيين إلى الوفاء بوعودهم تجاه الأتراك في ما يتعلق بالتأشيرات. بالتزامن مع ذلك، تحدّث موقع "بي بي سي" البريطاني عن اتجاه لا يستهان به في المفوضية الأوروبية لدعم هذا التوجه.

تعوّل الدبلوماسية التركية كثيراً على الاجتماع الذي سيضم قادة أوروبيين وأتراكا من أجل الخروج بتوصياتٍ عمليةٍ في موضوع التأشيرات

وتعدّ مسألة استيعاب تركيا إحدى أهم القضايا التي تختلف فيها وجهات النظر بين الأوروبيين، وقد ظهرت هذه التباينات منذ الاستعراض الأول للموضوع في العام 2013، حين كانت النقاشات ساخنة حول إمكانية قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، حتى وإن التزمت بجميع الشروط. وما زالت هناك تباينات بين السياسيين في الاتحاد، بين من ينظر إلى تركيا مهدّدا للثقافة والتجانس الأوروبي، بما تمثله من كتلة بشرية إسلامية، ومن يرى أن في انضمامها فوائد كثيرة للجانبين، بل هناك من يرى أن هذا الانضمام سوف تكون له فائدة أكبر على مستوى الدول الأوروبية الأضعف اقتصادياً، والتي سيمثل لها هذا الانفتاح فرصة سانحة للنمو.
تعوّل الدبلوماسية التركية كثيراً على الاجتماع الذي سيضم قادة أوروبيين وأتراكا الشهر الحالي (أكتوبر/ تشرين الأول) من أجل الخروج بتوصياتٍ عمليةٍ في موضوع التأشيرات. بحسب تصريح لنائب وزير الخارجية التركي، فاروق كايماتشي، سوف يناقش الاجتماع، من ضمن موضوعات أخرى أيضاً، اتفاق الهجرة القديم، باعتبار أن الاكتفاء بتقديم دعم مقابل استقبال أعدادٍ لا محدودة من اللاجئين لم يعد حلًا مناسباً.
فتح الحدود مع أوروبا سوف يكون فرصةً مهمةً للتجار والسائحين والطلاب، على المستويين، المحلي والدولي، كما سيشكل أي اختراق في هذا الملف نجاحاً سياسياً إضافياً لحزب العدالة والتنمية (الحاكم) باعتبار أن الانضمام للمنطقة الأوروبية كان أولوية مشتركة للسياسيين الأتراك. في المقابل، يبقى السؤال عن جاهزية الأطراف المعنية في الوقت الحالي لهذه الخطوة، بكل ما تحمله من تبعاتٍ، مطروحاً.

مدى الفاتح
مدى الفاتح
كاتب وباحث سوداني في باريس، دبلوماسي سابق