هل تتشكّل جبهة واسعة في تونس لإنقاذ الديمقراطية؟

هل تتشكّل جبهة واسعة في تونس لإنقاذ الديمقراطية؟

18 ابريل 2022
+ الخط -

لا توجد احتمالات ليتراجع الرئيس قيس سعيّد عن المضي في مشروعه، إنهاء تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، والدخول إلى طوْر متقدّم من نظام شمولي شعبوي. توحي تصريحاته، أخيرا، والمتشنّجة دوما، وهو يلقي موعظة فيها تقريع حادّ لوزيرة العدل، أحلام جفال، مفادها بأن القضاة لا يقومون بما ينبغي القيام به، بأنه عازم على غرس أركان هذه الطوبى التي سكنته من عقود. يؤاخذ الرئيس القضاة على أنهم "يتركون الانقلابيين طلقاء". يعيد، في الكلمة التي نقلها التلفزيون التونسي مرارا، إن القضاة لا يطبقون القوانين على من تآمروا على البلاد، وقد حاولوا "تشكيل حكومة إنقاذ وطني وبرلمان في الخارج". يكاد الرئيس، في المقابلة، أن يتحوّل إلى قاضٍ، فقد كيّف الجريمة وحدّد المرجعية القانونية لمحاكمة الجناة ونطق بالحكم.
لا معنى لاستقلال القضاء والقضاة يشتغلون تحت هذا التحرّش الدائم، خصوصا وأن الرئيس يلمح أيضا إلى المجلس الأعلى للقضاء الذي عيّنه أخيرا، بعد أن حلّ بجرة قلم مجلسا انتخبه مجلس نواب الشعب. إنه ضمنيا يحرّض المجلس الأعلى للقضاء حتى "يحكم بأحكامه".
طاولت الإيقافات في تونس، أخيرا، مدوّنين وصحافيين كثيرين ممن كتبوا ضد سلطة الانقلاب، أو ضد أجهزةٍ أمنيةٍ استغلت الفرصة لتثبيت سلطتها، ولو على حساب القانون. الرئيس غير معني بصورة تونس الخارجية، ولا بتراجع ترتيبها في مختلف المجالات: الديمقراطية، حرية الإعلام، استقلال القضاء، القدرة التنافسية، الاستثمار، فهذه مسائل غير مهمة في تقديره، و"تونس لا تحتاج إلى من يقدّم لها دروسا من الخارج، وهي ليست تلميذا يتعلم ويحتاج إلى تقييم"، كما يحلو أن يكرر ذلك، وهي جمل كثيرا ما تناقلها أنصاره وإعلام تابع يدجّن باستمرار.

على الرغم من أجراس الإنذار المتعدّدة، فإن الرئيس لا يأخذها مأخذ الجد، بل إن تلميحات الوفود التي تزوره لا تمنحه إلا عنادا في المضي إلى ما يريد

لم تُجد كل محاولات ثنيه عن مشروعه الطوباوي، بل لقد مر بسرعة فائقة في تجسيد ما كان يراوده منذ سنين: اعتمد على استشارة إلكترونية وجعل نتائجها الأرضية التي سيجري عليها "الحوار الوطني". خلال زيارات وفود أجنبية تونس أخيرا، برلمانيين أوروبيين، مسؤولين في الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تبيّن أن إصرار الرئيس واضح لا لبس فيه: أي إجراء استفتاء وانتخابات على المقاس، وعلى قاعدة نتائج الاستشارة (شارك فيها ما يناهز 500 ألف من ضمن ثمانية ملايين ناخب تقريبا).
حين التقى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بالوفد الأوروبي، قال إن الحوار لا يمكن مطلقا أن يكون على نتائج الاستشارة الوطنية، والإقصاء مرفوض، وإذا عنّ للرئيس أن يذهب  في خريطة طريقه منفردا فليتحمّل مسؤوليته. .. ومع ذلك، وعلى الرغم من أجراس الإنذار المتعدّدة، فإن الرئيس لا يأخذها مأخذ الجد، بل إن تلميحات الوفود لا تمنحه إلا عنادا في المضي إلى ما يريد. لقد بدأ في ترتيب علاقاته مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي سيغير أيضا تركيبتها. ونحن أمام مسار أحادي من أجل أن يكتمل المشهد، ولو بعبث كبير لا ينسف فقط المكسب الديمقراطي الذي يتهاوي يوما بعد يوم، ولكنه أيضا يهدّد كيان الدولة ذاتها، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية الحادّة التي تمرّ بها تونس.

التبرّم الذي بدأ يعبر عنه الناس من غلاء الأسعار، والإحباط الذي أصاب فئات اجتماعية واسعة، قد يُنتجان مناخا مناسبا للاحتجاج

يستحضر المختصون إمكانات ثلاث لإنهاء قوسي الانقلاب اللتين طالتا، وكانت كلفتهما عالية: الضغط الخارجي المتواصل، ما يجعل البلاد تدخل منطقة اضطرابات اقتصادية واجتماعية حادّة توشي بعدم الاستقرار. وهذه الفرضية مستبعدة، لكلفتها الباهظة على الأمنين، الإقليمي والدولي، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وعودة ليبيا إلى عدم الاستقرار بعد تشكّل حكومتين متخاصمتين. الفرضية الثانية تحوّل الرئيس سعيّد الى عبء على شركائه من القوى الناعمة والصلبة التي صاغت انقلاب 25 يوليو، خصوصا وأن سعيّد بدأ يلعب لحسابه الخاص، أي إرساء النظام القاعدي والتخلص من الديمقراطية التمثيلية، ويبدو أن هذا لم يكن موضوع اتفاق مع شركائه، وكان همهم إنهاء تجربة ما بعد 2011 برمتها لحسابات عديدة  داخليا وإقليميا. وهذي أيضا فرضية ضعيفة، ما دام أن الأولوية المطلقة لهؤلاء الشركاء تفكيك حركة النهضة. الفرضية الرابعة هي هبّة المجتمع المدني والسياسي من أجل بناء جبهة وطنية أوسع ما يمكن تتصدّى لمشروع سعيّد، وتلغي خريطة الطريق التي بدأ فعلا يجسّدها خطوة خطوة. وعلى الرغم من أهمية الفرضية الثالثة فإنها ما زالت مستبعدة في المدى القريب، خصوصا في ظل النزاعات والصراعات بين الفرقاء. يبدو أن تجربة العشرية الفارطة ما زالت تلقي بظلالها. هناك تبادل التهم في تحميل المسؤولية عما آل إليه الوضع إلى هذا الطرف أو ذاك، مسألة التقارب من حركة النهضة، الموقف من الخارج، فضلا عن ملفات كثيرة، حقيقية ووهمية، ما زالت تقف عائقا دون تشكّلها في الوقت القريب. 
التبرّم الذي بدأ يعبر عنه الناس من غلاء الأسعار، والإحباط الذي أصاب فئات اجتماعية واسعة خصوصا أمام ضآلة المنجز، قد يُنتجان مناخا مناسبا للاحتجاج، ولكن ثمة أزمة قيادات تعيد بناء الثقة فيها.

7962F3C9-47B8-46B1-8426-3C863C4118CC
المهدي مبروك

وزير الثقافة التونسي عامي 2012 و2013. مواليد 1963. أستاذ جامعي، ألف كتباً، ونشر مقالات بالعربية والفرنسية. ناشط سياسي ونقابي وحقوقي. كان عضواً في الهيئة العليا لتحقيق أَهداف الثورة والعدالة الانتقالية والانتقال الديموقراطي.