هل تتخطّى مكالمة ترامب وبوتين كييف؟

23 مارس 2025
+ الخط -

أعلن البيت الأبيض والكرملين، 18 مارس/ آذار الجاري، أن الاتصال الهاتفي المطوّل الذي أجراه الرئيس الأميركي ترامب مع نظيره الروسي بوتين انتهى باتفاق على وقف مؤقت للهجمات على أهداف الطاقة والبنية التحتية في أوكرانيا، في وقت يجري العمل على اتفاق أوسع لوقف إطلاق الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات.

يبني بعضهم على أن النتائج الإيجابية التي خرج بها الطرفان من المكالمة التاريخية بين الرئيسين ستنعكس حتماً على ملفات دولية أخرى، ولا تقتصر على الاتفاق لطرح آلية لوقف الحرب في شرق أوروبا. ينطلق هذا التصوّر من أن ترامب ذاهب نحو تغيير في المشهد الدولي القائم عبر استبدال تعاون بلاده مع الدول الأوروبية التي تسعى إلى استغلال بلاده من دون أن يكون لديها ما تقدّمه، بحسب زعم ترامب الذي قال، في مقابلة مع موقع "بريبارت"، 19 مارس، إنه "يجب التعامل مع روسيا لأنها تملك أكبر الأراضي وأثمنها". لم يعد خفيّاً أن واشنطن تفضل التعاون مع دول قوية في مقدّمتها روسيا، ولكن هل هذا يعني أنّ "التلاقي" الروسي الأميركي سيتخطى حدود كييف إلى التعاون في ملفات دولية حساسة؟

من البديهي قراءة ذلك، وسط استمرار ترامب في التعبير عن إعجابه بشخصية بوتين في أكثر من مناسبة. لكن الإعجاب شيء ومصالح الدول شيء آخر، وما ينطبق على الحرب في كييف قد لا يتناسب مع الوقائع لقضايا شائكة أخرى، إذ تطرّقت المكالمة إلى قضايا مثل إيران، حيث اتفق الطرفان على أنّه يجب أن لا يسمح لإيران امتلاك أسلحة قادرة على تدمير إسرائيل.

الإعجاب شيء ومصالح الدول شيء آخر، وما ينطبق على الحرب في كييف قد لا يتناسب مع الوقائع لقضايا شائكة أخرى

أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية، 20 مارس/ آذار، بياناً تدعو فيه الرعايا الفرنسيين إلى "مغادرة إيران" فوراً، بعد تهديدات وجهها الرئيس الأميركي، 17 مارس/ آذار، إلى طهران على خلفية الهجمات الحوثية على حاملات الطائرات الأميركية في المنطقة، على اعتبار أن "مئات الهجمات التي يشنها الحوثيون تنبع من إيران ومن صنعها".

لن تتردّد إدارة ترامب في توجيه ضربات عسكرية موجعة إلى النظام الإيراني، وهي التي تعتبر أن تنفيذ الضربات الجوية والصاروخية على حركة الحوثيين في اليمن بمثابة رسائل واضحة إلى إيران. كما أن واشنطن لم تزل تضيّق الخناق على النظام في طهران، من خلال فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على أركانه. وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، 13 مارس/ آذار، قد أضاف إلى قائمة "المواطنين المعينين خصيصاً" محسن باكنجاد، الذي "يشرف بصفته وزيراً للبترول على تصدير نفط إيراني بعشرات مليارات الدولارات، كما خصص نفطاً بالمليارات للقوات المسلحة الإيرانية للتصدير"، بحسب بيان لوزارة الخزانة.

ستشكّل إيران تضارباً في الاستراتيجية عند كل من موسكو التي تجد في إيران عمقاً استراتيجيّاً مهمّاً في المنطقة، في وقتٍ تعتبر فيه واشنطن أنها تشكل تهديداً استراتيجياً لمصالحها، ولتموضع قواتها في المنطقة.

تجد إدارة ترامب في بكين المنافس الأخطر لها على الساحة الدولية

لا تقف ملفات النزاع بين القوتين العملاقتين عن إيران، بل ستُدحرج إلى ساحاتٍ أخرى، منها الساحة الليبية التي تعمل روسيا فيها إلى تعزيز حضورها في القارّة السمراء عبر استغلال صداقتها مع اللواء خليفة حفتر الذي تقدم روسيا له كل الدعم لإيصاله رئيساً لليبيا من داخل مجلس النواب، وهو أمر غير مسبوق في ظلّ الانسداد السياسي التي تميّز المشهد العام وفشل كل محاولات تجاوز الوضع القاتم.

في هذا السياق، تردّدت أنباء متطابقة عن توجه روسيا إلى الحصول على قاعدة عسكرية جديدة في ليبيا عبر اتفاقات مع قائد الجيش في شرق البلاد. وقد كشف موقف "إنسايد أوفر" الإيطالي عن تحرّكات موسكو بالتنسيق مع حفتر لإنشاء قاعدة عسكرية في منطقة معطن السارة، جنوبي ليبيا، وأن القاعدة قد تصبح مركزاً لعمليات فيلق أفريقيا الروسي، نظراً إلى موقع المنطقة الاستراتيجي بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان، كون روسيا تسعى إلى تعزيز نفوذها في منطقة الساحل الأفريقي على حساب النفوذ الأميركي.

لا توافق روسياً أميركياً على كل القضايا، حتى لو تغزّل ترامب بغريمه بوتين

تنظر روسيا إلى ليبيا على أساس بناء قواعد لها مطلة على البحر المتوسط، ولا سيما بعد سقوط النظام في سورية ووضع قاعدة طرطوس الروسية أمام احتمال التفكيك، فهي تعتبرها نقطة ارتكاز لمزيد من التمركز في منطقة الساحل، فمن النفط في ليبيا إلى الذهب في السودان إلى اليورانيوم في النيجر، عناوين واضحة لتضارب المصالح بين واشنطن وموسكو، ما سيزيد من احتمال الصدام بينهما في القارّة السمراء.

قد لا تكون الصين جاءت على هامش المكالمة، لكنّها حتماً ستشكّل مادة صدامية بين الفريقينن، ولا سيما أن الروسي يعتبر الصين شريكة استراتيجية تدخل من ضمن الرؤية المشتركة نحو إحداث التغيير في النظام العالمي المزمع إنتاجه. وإذ لا تتوانى الولايات المتحدة عن ممارسة سياسة "الاحتواء" للصين، تجد إدارة ترامب في بكين المنافس الأخطر لها على الساحة الدولية. لهذا تعمل واشنطن بكل جهودها لتطويق إمدادات الصين، في مقدمها قطع ممرّها "الحزام والطريق"، وقد يكون قرار توتير منطقة البحر الأحمر التي افتعلها الأميركي يصبّ في هذا المشروع.

لا توافق روسياً أميركياً على كل القضايا، حتى لو تغزّل ترامب بغريمه بوتين، وحتى لو توافقا على التقاسم الاقتصادي في أوكرانيا، لأنّ المناطق الساخنة في العالم لا تقاطع فيها للمصالح، لهذا بات السؤال يفرض نفسه: هل فعلاً انتهت الأزمة الأوكرانية، أم هي مرحلة للمناورة فقط وسط التصعيد في الضربات بين طرفي النزاع؟