هل بسطت إسرائيل نفوذها على الأمم المتحدة؟

هل بسطت إسرائيل نفوذها على الأمم المتحدة؟

06 اغسطس 2022
+ الخط -

قبل أن يدلي عضو لجنة تحقيق مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ميلون كوثاري، بتصريحاتٍ عدتها إسرائيل معادية للسامية، كانت إسرائيل قد قاطعت اللجنة التي شكلها المجلس، والمكلفة بالتحقيق في جرائمها في أثناء العدوان على غزة، في مايو/ أيار 2021. بل ومنعت إسرائيل أعضاء اللجنة من دخول الأراضي المحتلة، وقالت: "إن النتائج الجزئية التي خلصت إليها اللجنة في يونيو/ حزيران كانت الأحدث في سلسلة من التقارير المنحازة".

التهمة جاهزة مسبقاً، والتحريض الإسرائيلي على لجنة حقوق الإنسان أسبق من تصريحات ميلون كوثاري، والذي شغل من قبل منصب المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن اللائق، وهو هندي الجنسية. وقد قال في بودكاست لموقع موندوويس في 25 الشهر الماضي (يوليو/ تموز) "نشعر بخيبة أمل كبيرة من وسائل التواصل الاجتماعي، التي يسيطر عليها إلى حد كبير اللوبي اليهودي أو منظمات غير حكومية معينة، حيث يتم إنفاق أموال كثيرة في محاولة لتشويه سمعتنا".

أين اللاسامية في شكوى ميلون كوثاري من المضايقات التي تمارسها وسائل التواصل الاجتماعي، ومحطات إعلامية أخرى، وصحف مجلات ومقالات وتحليلات، تنفق عليها منظمات اللوبي اليهودي ملايين الدولارات، بغرض تشويه سمعة لجنة التحقيق في الجرائم الإسرائيلية؟ بل وتشويه سمعه كل من يفضح الممارسات الإسرائيلية، ويرفض أن يدور في فلك الصهيونية؟

كشف كوثاري عن حقائق تتعلّق بلجنة حقوق الإنسان، يعرفها الشعب الفلسطيني، ويعاني منها على مدار الساعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وعبر الممارسات اليومية؛ من اعتقالٍ، وقتلٍ، وهدمٍ للبيوت، والسيطرة على الأرض، والمضايقات على الحواجز، وتشكو منها معظم الشعوب العربية التي تتعرّض للتشويه والتشهير والإساءة والإحباط والتآمر، من الأجهزة الإعلامية نفسها، التي اشتكى منها عضو لجنة حقوق الإنسان.

الحرب التي تشنها إسرائيل على ميلون كوثاري لا تستهدفه لشخصه، وإنما تستهدف لجنة التحقيق التي هو عضو فيها

صار ميلون كوثاري معادياً للسامية، وقد يصير إرهابياً، من وجهة نظر إسرائيل، ومن لف لفها؛ أمثال مندوبي ألمانيا، والنمسا، وبريطانيا، ومندوبة الولايات المتحدة التي رأت فرصتها في تأييد المطلب الإسرائيلي بحلّ اللجنة، وجميعهم يدرك أنّ الرجل متهم بمعاداة السامية، لأنه رفض أن يسكت عن الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي استمر 11 يوماً سنة 2021، وقتل فيه 250 فلسطينياً، وجرح آلاف، ودمرت الطائرات الإسرائيلية مئات المباني والأبراج، في بث مباشر أمام العالم، وهذا ما أكّدته رئيسة اللجنة نافي بيلاي، وهي تقول "إن تعليقات كوثاري انتزعت عمداً من سياقها".

وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي، يئير لبيد، فرصته ليستغل الدعم الأميركي والبريطاني والألماني، وليوجه رسالة قاسية إلى أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، رسالة تخلو من الذوق، وفيها يوجّه الأوامر إلى أمين عام الأمم المتحدة، ويقول له: "هذا وقت العمل. لقد حان الوقت لحلّ اللجنة، هذه اللجنة لا تؤيد فقط معاداة السامية بل تغذّيها".

الحرب التي تشنها إسرائيل على ميلون كوثاري لا تستهدفه لشخصه، وإنما تستهدف لجنة التحقيق التي هو عضو فيها، ومحاولة اغتياله معنوياً بمثابة رسالة توّجهها إسرائيل إلى كل من يفكر في البحث عن الحقيقة، ومناصرة القضية الفلسطينية، وهذا يذكّر بالموقف الإسرائيلي من الكونت فولك برنادوت، الوسيط الدولي، سويدي الجنسية، والذي كانت مهمته وقف المواجهات بين العرب واليهود سنة 1948، وتطبيق قرار التقسيم، وقد أثارت اقتراحاته بشأن التقسيم حفيظة الجانب اليهودي، فقد عارض برنادوت ضم أراضٍ فلسطينية إلى الدولة اليهودية المقترحة في قرار التقسيم، الذي صدر في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، واقترح وضع حد للهجرة اليهودية، ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية. ولكلّ ما سبق، قرّرت منظمة أرغون التي ترأسها مناحيم بيغن، ومنظمة شتيرن برئاسة إسحق شامير، اغتيال المندوب الدولي برنادوت، وقد جرى اغتياله في 17 سبتمبر/ أيلول 1948 في القطاع الغربي لمدينة القدس، لتغتال إسرائيل بذلك كل المقترحات التي لا توافق أطماعها.

استكبرت إسرائيل على الأمم المتحدة، ورفضت تطبيق أي قرار يتعلق بالقضية الفلسطينية

استكبرت إسرائيل على منظمة الأمم المتحدة، ورفضت تطبيق أي قرار يتعلق بالقضية الفلسطينية، وما كان ليتحقق ذلك لولا الدعم الأميركي، ولولا وجود اللوبي اليهودي الذي يوظّف طاقته المالية والإعلامية والسياسية لخدمة الأطماع الصهيونية، ولمحاربة أي لجنة دولية محايدة، تسعى إلى فضح الممارسات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين. ولعل أحدث دعم أميركي لإسرائيل الخطة التي كشف عنها سيناتور أميركي لفرض تشريعات فيدرالية تستهدف "حركة مقاطعة إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، وقد يكون هذا السلوك هو المحفز لمندوب إسرائيل السابق في الأمم المتحدة، داني دانون، الذي قال في قاعة الأمم المتحدة: إسرائيل ليست بحاجة إلى اعتراف الأمم المتحدة، لقد أعطى الله الأرض لشعب إسرائيل في سفر التوراة... وأضاف وهو يلوح بكتاب اليهود "التناخ": في هذا الكتاب المقدس صك ملكية أرض إسرائيل، وعاصمتها أورشليم.

ضمن هذه المعادلة الصهيونية القاسية، على قيادة السلطة الفلسطينية أن تنفي ما نشرته وسائل إعلام عبرية عن وجود صفقة، أنجزها وزير الحرب الصهيوني بني غانتس مع الرئيس محمود عباس، في أثناء زيارته أخيراً رام الله، وتقضي بوقف الملاحقات القانونية للجرائم الصهيونية، مقابل تقديم تسهيلات اقتصادية وحياتية للسكان. نفي التهمة لا يتحقق إلا بسرعة التوّجه إلى محكمة الجنايات الدولية، لمحاسبة قادة إسرائيل على جرائمهم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني.

3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
فايز أبو شمالة
كاتب وسياسي فلسطيني يقيم في قطاع غزة، عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، دكتوراه في الأدب المقارن بين الشعر العربي والشعر العبري.
فايز أبو شمالة