هل بدأ العدّ العكسي لانهيار إسرائيل؟

هل بدأ العدّ العكسي لانهيار إسرائيل؟

09 يونيو 2022
+ الخط -

كنت قبل أن أشاهد هذا الخبر على المواقع المتعدّدة أكثر بعدا من مفهوم عنوان هذا المقال. كنت أقرب إلى ما يسمى "التشاؤم" من بدء العد العكسي لانهيار كيان العدو الإرهابي "إسرائيل". ثم بعد أن قرأت الخبر انقلب مزاجي، خصوصا وأنني لم أزل تحت تأثير مقالات نشرتها في "العربي الجديد" عن مؤشرات وتفاعلات وأحداث ودراسات ورؤى تشير إلى أن هذا الكيان يسير نحو الهاوية، مرّة بسرعة شديدة، وأخرى بتباطؤ أشد، لكن وتيرة "الانهيار" ومؤشّرات الحرب الأهلية لوحظ، أخيرا، أنها ازدادت، خصوصا منذ نحو سنة على نحو التقريب، حين عجز العقل الجمعي الإسرائيلي عن الخروج، بعد أربع جولات من الانتخابات، من عنق الزجاجة، لتأتي حكومة رئيس وزرائهم بينت، والموصوفة بأنها أقرب إلى المسخ أو الهجين منها إلى الكائن مكتمل الأعضاء، لتعطي محض "هدنة" من الانهيار لا أكثر، وما لبث أن جاء بينت نفسه ليضع النقاط على الحروف، حين أطلق صيحة استغاثته التي قد تكون قبل "غرقه" وحكومته في مستنقع الأزمات المتفجّرة اليوم في الكيان، وتلك التي تنتظر صاعق التفجير.

قبل الحديث عن صرخة استغاثة بينت اللافتة والنادرة، نتوقف أمام ذلك الخبر- المشهد المشار إليه، وهو متعلقٌ بطفل لا يزيد عمره عن ثلاث سنوات، "ألقى القبض" عليه جنود الاحتلال المدجّجون بالسلاح لسببٍ قد لا يخطر ببال أحد، أنه يرتدي "تي شيرت" مرسومة عليه بندقية! احتجز الجنود الطفل يوسف قبها، على حاجز طورة، في منطقة يعبد جنوب شرقي جنين (جنين أيضا ما غيرها) بحجّة أن القميص الذي يرتديه يحمل رسم بندقية، حيث أجبروه على خلعه، وعاد إلى البيت شبه عار. وفيما ذاعت صورة للطفل يرفع علامة النصر، ثم يغني مدندنا مكرّرا "أنا مش خايف". ومذ قرأت هذا الخبر أيقنت أن جيشا كجيش العدو يمتلك ترسانة قلّ مثيلها من الأسلحة، والقدرات السياسية والعسكرية والاستخبارية والدعم اللامحدود مما يسمّى "المجتمع الدولي"، وفي مقدمته الولايات المتحدة، وفوق هذا "يرتعد" خوفا من طفلٍ بقميص يحمل "صورة" بندقية، فلا يطيق رؤيته، ويُجبر مرتديه على خلعه، أقول إن جيشا يقع في مثل هذا الموقع لا مستقبل له، وإن "دولته" دخلت فعلا في مسلسل العد العكسي لزوالها، طال الزمان أو قصر، فلا مستقبل لها مع جيلٍ كهذا، ناهيك بتفاعلات تناقضاتها الداخلية الطاحنة (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى).

لا توجد دولة يتحدث قادتها عن قرب خرابها، وإمكانية زوالها عن الوجود ودمارها "ذاتيا" إلا كيان العدو الإرهابي إسرائيل

أما نداء استغاثة بينت، فهو دليل آخر على صحة ما نقوله، ويقوله كثيرون من متابعي الشأن الصهيوني ودارسيه، بشأن بدء العد العكسي لزوال كيانهم، وهو هنا يعيد ترديد ما يعتبرونها حقيقة مخيفة، أو حتى كابوسا يخشون تكراره. يقول بينت إن كيانه يقف أمام اختبار حقيقي، ويشهد حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار، ويواجه مفترق طرق تاريخيا؛ متّهما نتنياهو والمعارضة ببثّ السموم والفوضى، ويقول، في سياق نداء استغاثته عبر منصات وسائل التواصل، إن "دولتهم" تفكّكت سابقاً مرّتين بسبب الصراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمر "دولتهم" 80 عاماً، والثانية عندما كان عمرها 77 عاماً، ويضيف: "نعيش الآن في حقبتنا الثالثة ونقترب من العقد الثامن، ونقف جميعاً أمام اختبارٍ حقيقيٍّ، فهل سنتمكن من الحفاظ على دولتنا؟". ثم يقول إن "دولة إسرائيل وصلت، قبل نحو عامٍ، إلى واحدة من أصعب لحظات الانحطاط التي عرفتها: فوضى ودوّامة انتخابات لا تنتهي وشللٌ حكوميٌ، ومدينتا اللد وعكا تحترقان من الداخل في ظل وجود حكومة عاجزة ومتنازعة، وتقديس الرجل الواحد وتسخير طاقة الدولة لاحتياجاته القانونية". وعلى نحو مسرحي، يصف بينت كيف جاء لإنقاذ "البلاد" من الانهيار، "مضحيا" بصهيونيته (في إشارة إلى مشاركة عرب ويساريين في حكومته!) فيقول: "كنا نقف قبل أيامٍ قليلةٍ من الذهاب إلى حملةٍ انتخابيةٍ خامسةٍ من شأنها أن تفكك البلاد، ثم اتخذت القرار الأكثر صعوبة وصهيونية في حياتي، وهو تشكيل حكومة إنقاذ وطنية لإنقاذ إسرائيل من الفوضى، وإعادتها إلى العمل، والشراكة مع أشخاص لديهم آراء مختلفة جدّاً عن آرائي من أجل إنقاذ إسرائيل".

إجماع في الضمير الجمعي الفلسطيني، يصل إلى درجة اليقين، بقرب زوال الاحتلال

هذه ليست المرّة الأولى التي يتحدّث فيها سياسي صهيوني كبير عن لحظة انهيار "إسرائيل"، فقد سبقه نتنياهو نفسه، حين أطلق مقولته إن "إسرائيل" ربما لن تصل إلى عمر الثمانين عاما، وإنه سيجتهد في الوصول بها إلى عمر المائة. في حدود علمي لا توجد دولة يتحدث قادتها عن قرب خرابها، وإمكانية زوالها عن الوجود ودمارها "ذاتيا" إلا كيان العدو الإرهابي، الذي قام ويقوم على اغتصاب حقّ شعب آخر في العيش، وانتهج سياسة متوحشة لا مثيل لها في التاريخ المعاصر من حيث عنصريتها وإجرامها وبطشها وتفنّنها في تعذيب الشعب الذي تحتله، وهو أمر غير مسبوق، ما يجعلنا على يقين من جدّية هذا الهاجس الذي يعشّش في المخيال الصهيوني، وها هو يزداد كل يوم مع ازدياد الصراع الطاحن داخل الكيان.

وتبقى مسألة.. "إسرائيل" إلى زوال، والدلائل أكثر من أن تحصى؛ هم مثلا يهتمون أكثر من غيرهم بدراسة تاريخ الصليبيين في بلادنا وكيف أبيد حكمهم لهذه البلاد حتى بعد أن دام احتلالهم للقدس مثلا 88 سنة، هذا لا يعني بالطبع أن نجلس كأمة متفرجين على "دولتهم" وهي تنهار، معتمدين في هذا على عوامل "التدمير الذاتي". سننتظر كثيرا ربما، إذ لا بد من إسناد عربي وإسلامي شعبي (لا أمل من الأنظمة الرسمية) للشعب الفلسطيني في نضاله غير المنقطع للاحتلال، رغم كل ما يواجهه من توحش وإجرام، علما أن هناك، خصوصا في السنة الأخيرة، إجماعا في الضمير الجمعي الفلسطيني، يصل إلى درجة اليقين، بقرب زوال الاحتلال، ومع هذا لم يُقعده هذا الشعور عن اجتراح أساليب جديدة للمقاومة، كلما أحكم الاحتلال قبضته عليه أكثر.