هذا الضعف الأوروبي أمام ترامب

09 ابريل 2025
+ الخط -

الإهانات التي يوجهها دونالد ترامب لجميع الزعماء الذين يستضيفهم، حتى لأكثر المتملّقين لنرجسيته، ينال منها الزعماء العرب الحصة الكبرى. هو يحتقرهم ولكنه لا يكرههم، فالكراهية عنده مخصّصة للمسؤولين الأوروبيين واتحادهم الذي تأسس بهدف واحد كما يخبرنا: الإضرار بأميركا وتحجيمها. هكذا يفهم التاريخ ذلك الجاهل الذي يروي عارفوه وعاملون سابقاً معه أنه لا يقوى على قراءة ورقة واحدة بقياس A4 ويرفض الاطّلاع على التقارير اليومية الأمنية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي تصل إلى مكتبه، ويستبدلها بنصائح عصابة من المضاربين العقاريين (يسمّونهم مطوِّرين!) والأوليغارشيين الذين يصعب أن تجد واحداً منهم صنع ثروته بعرق جبينه.

وإن لم يكن متوقعاً من زعماء عرب أن يواجهوا الإذلال الترامبي المعجون بالعنصرية، فإنّه كان منتظَراً من المسؤولين الأوروبيين أكثر بكثير من هذا الضعف الذي يُظهرونه إزاء إهانات ترامب لهم وابتزازه وتهديداته وطمعه ببلدانهم وثرواتهم وتشجيعه العلني لفاشيي مجتمعاتهم وشتائمه المتكرّرة لديمقراطيتهم ولمحاكمهم وللقيم الليبرالية لدولهم. لم يكن مطلوباً من هؤلاء مواجهة شعبوية ترامب وسوقيته وشرّه بشعبوية وسوقية وشرّ مماثلة، فلا أحد يمكن له أن ينافسه في امتهان هذه الموبقات، ولا بعنتريات ولغة حربية تؤذي رفاه شعوبهم واقتصادات بلدانهم، بل كان الطموح أن يتصرّف هؤلاء بوصفهم زعماء أكبر تكتل سياسي عابر للحدود في العالم، وثاني أكبر قوة اقتصادية في الكوكب، بدل أن يتذاكوا على طريقة إيمانويل ماكرون الذي ظنّ نفسه قادراً على إقناع ترامب بأن يصبح رجلاً موزوناً وحكيماً مسؤولاً، وبأن يتوقّف عن مبادلة حلفائه الأوروبيين العداء وعن تهديدهم بالخطر الروسي إن لم يدفعوا الإتاوات للخزينة الأميركية، فما كان من الرئيس الأميركي إلا معاملة "صديقه الفرنسي"، كما يصفه، بقلة الأخلاق وانعدام الكياسة المعروفتين عنه، وأجلسه على زاوية الطاولة الرئاسية في البيت الأبيض، وأهان أوروبا في حضرته، ولاحقاً دعم اليمين الفرنسي المتطرّف، وساوى فرنسا مع غيرها من البلدان الأوروبية في مرتبة العداء لأميركا، وفرض رسوماً جمركية على سلع بلدان الاتحاد بقيمة 20%، ما عدا السيارات والصلب والحديد والألومنيوم الخاضعة بدورها لضريبة الـ25%، وهي صادرات أوروبية إلى أميركا مجموع قيمتها 380 مليار دولار سنوياً.

الأدهى كيف تحوّل المسؤولون الأوروبيون إلى مراقبين ومحلّلين، فتقرأ مقالاً لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في صحيفة التلغراف السبت يشرح فيه أن "العالم كما عرفناه انتهى" في ظل رئاسة ترامب. ومن لم يمتهن التحليل منهم بدا كأنه فوجئ بما يفعله ترامب في كل شأن، أوكرانيا وروسيا وهدم النظام الدولي القائم والتخلي عن الحلفاء ومحاربة الديمقراطية ودعم اليمين المتطرّف والقوى القومية الشعبوية في كل بلدان العالم، والمجاهرة بقرب الاستيلاء على غرينلاند شراءً أو احتلالاً، وضم كندا إلى الولايات المتحدة وشن حرب تجارية عالمية لا تمييز فيها بين الحليف والخصم والعدو، مع أن ترامب لا ينفذ في ما سبق وغيره من المواضيع، إلا ما توعّد بفعله منذ سنوات، علناً وبكل صلافته ووقاحته، بشكل لا يترك لأحد مجالاً ليدعي أنه ظنّ تهديداته مجازية فلم يحضّر العدّة للمواجهة.

العالم بحاجة إلى من يواجه ترامب ولمن يكسره. المتضرّرون من عبثه وشرّه كثر، وكل المجالات متاحة أمام تقاطعاتهم واتفاقاتهم وتحالفاتهم حتى، من دون أن يظهر أي مؤشّر لاحتمال حصول شيء من هذا القبيل في المدى المنظور. ومن بؤس عصرنا أن يثمّن أحدنا تجرؤ الصين، وحدها حتى الآن، على فرض تعرفات جمركية بالقيمة نفسها التي فرضها عليها ترامب. أما الآخرون، فيتوزّعون بين الصمت، وتوسّل عفو الرئيس الأميركي، وعرض الاستسلام الكامل له، ورفع الدعاوى القضائية ضد واشنطن في محكمة منظمة التجارة العالمية. وفي عصر القوة، كما هو معروف، الضعيف وحده من يذهب إلى القضاء.