هذا الانقسام الشيعي قبل الانتخابات في العراق

23 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 02:58 (توقيت القدس)
+ الخط -

قبيل أقل من 50 يوماً على موعد الانتخابات البرلمانية العراقية (11 نوفمبر/ تشرين الثاني)، صدر تصريح جديد عن مقتدى الصدر على لسان "وزير القائد"، وهو حسابٌ معتمدٌ له في مواقع التواصل الاجتماعي، جدّد فيه مواقف التيار الصدري المقاطع للانتخابات، مهاجماً أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي، متهماً إياها بالفساد، وطالبها بإزاحة "الرؤوس الكبيرة" شرطاً لنجاح الانتخابات المقبلة. وألمح في منشوره المطوّل إلى بقاء خيار دفع الصدريين إلى التصويت لقائمة انتخابية معيّنة، في حال استجابت تلك القائمة للشروط التي أعلنها سابقاً، وهي شروط يمكن تلخيصها بأن تكون هذه القائمة مضادّة بالكامل لتوجّهات أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي.
وقد أشار الكاتب في مقالته في "العربي الجديد" في الأسبوع الماضي إلى احتمالات أن يستخدم الصدر هذه الورقة في اللحظات الأخيرة لرفع حظوظ قائمة من القوائم المشاركة التي تنطبق عليها شروطه. وتكاد تنحصر الاحتمالات في قائمتَين: الأولى قائمة رئيس الوزراء الحالي محمّد شيّاع السوداني (ائتلاف الإعمار والتنمية)، والثانية تحالف البديل الذي يتزعّمه محافظ النجف السابق عدنان الزرفي، ويضمّ أحزاباً وتيارات انضمّت سابقاً إلى تحالف الصدر الانتخابي "سائرون" في انتخابات 2018.
يسير التياران الانتخابيان كلاهما، وفق التصريحات الإعلامية، في اتجاهٍ معاكس للقوى الشيعية المتطرّفة أو المقرّبة من المحور الإيراني، ويكاد تحالف الإطار التنسيقي نفسه ينقسم بين هذين الاتجاهين. ومن المتوقّع أن تشتدّ المنافسة بينهما على أصوات الجمهور الشيعي الراغب في التوجّه إلى صناديق الاقتراع، وهم (استناداً إلى بيانات سابقة) يشكّلون جزءاً ضئيلاً من مجمل من يحقّ لهم التصويت.
وبينما يبدو رئيس الوزراء مسترخياً لشعوره بأنه يرتكز على أساس قوي في دعايته الانتخابية بفضل إنجازاته على المستوى الخدمي، تشعر الأطراف الشيعية الأخرى بتوتّر، وتحاول تشجيع الناخبين بمختلف الوسائل على الإقبال على التصويت، من بينها التخويف بعودة البعث أو احتمال حصول المرشّحين السُّنة على أصوات تفوق أصوات الشيعة. وقد خرج بعض رجال الدين في خطبهم محذّرين من أن ترك المشاركة في الانتخابات يعني خذلان النبي والأئمة والله. كذلك أعادت بعض الصفحات نشر بيانات سابقة لمرجعية النجف تحضّ على المشاركة، لكن تكذيباً جرى لصدور أي بيانات جديدة. ونشرت حسابات في مواقع التواصل صوراً لبوسترات معلّقة على جدران البيوت تحمل عبارات بمعنى "هذا البيت سيشارك أهله في الانتخابات استجابة لأوامر المرجعية".
من المتوقّع أن تزداد هذه الحملات الدعائية قوّة وشراسة، غير أن استجابة المواطنين لها غير مضمونة، إذ يرى معظم من يحقّ لهم التصويت أن أصواتهم غير مؤثّرة، ولن تُحدث تغييراً فعلياً، بغض النظر عن مدى واقعية هذا التصوّر. بل يحدث كثيراً أن يتعرّض من يحضّ على المشاركة في الانتخابات لحملات من السخرية والهجوم اللفظي.
يتقاطع هذا المزاج العام مع توجّهات الصدر الرافضة للمشاركة في الانتخابات (حتى الآن على الأقل)، لكنّه يفترق عنه في الأسباب والدوافع؛ فالكتلة الاجتماعية الصدرية الرافضة للانتخابات ما زالت قوة منظّمة يستطيع الصدر توجيهها حيث يشاء عند الحاجة، بينما الجمهور العام من المقاطعين لديه دوافع شتّى، وقد لا يحرّكه سوى أمر واضح من مرجعية النجف، وهي ورقة ما زال من الممكن استخدامها حتى يوم الاقتراع.
تسعى القوى الشيعية الفاعلة إلى الحفاظ على وجودها وسط المتغيّرات الإقليمية والدولية، ومع تراجع النفوذ الإيراني، فتتواصل مع جمهورها التقليدي الذي اعتاد خطابها القديم عالي النبرة، ولكن هذه المرّة بخطاب أكثر ليونة ومهادنة، وهنا يكمن التناقض. في المقابل، ترى القوى المعارضة في انحسار النفوذ الإيراني فرصةً لتأكيد خطابها الرافض لارتباط العراق بمحاور خارجية، وتحفّز جمهورها على المشاركة لإحداث تغيير في المشهد السياسي بعد نوفمبر المقبل.
في كلّ الأحوال، إن نجحت القوى التقليدية في الصمود والبقاء بفعّالية في البرلمان المقبل، أو نجح معارضوها في إزاحتها، فإن الجميع سيكونون مضطّرين إلى مغادرة المركب الإيراني، أو مغادرة اللعب في المنطقة الضبابية التي تجاور فيها (في مدى سنوات سابقة) النفوذان الإيراني والأميركي في سرير واحد.