هدنة هشّة في لبنان

01 ديسمبر 2024

امرأة على شرفة منزلها بعد وقف إطلاق النار في صور جنوبي لبنان (29/11/2024/الأناضول)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

ظاهراً يبدو أنّ وقف إطلاق النار بين إسرائيل ومقاتلي حزب الله في لبنان جاء نتيجة جهود بذلتها إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، بالتعاون مع فرنسا. من هذا المنظور، يمكن القول إنّ الاتفاق، بالنسبة لإدارة بايدن، يأتي في الوقت الضائع، فعملية نقل السلطة قد بدأت بالفعل في واشنطن، ولم تتبق سوى أسابيع قليلة حتى ينصّب دونالد ترامب الفائز في الانتخابات الأخيرة رئيساً، وليس واضحاً المنحى الذي ستسير عليه الأمور بعد ذلك.

تبدو في الأمر مفارقة، فإدارة بايدن التي كانت شريكاً فعلياً في العدوان الذي تشنّه إسرائيل على قطاع غزّة، ليشمل تالياً لبنان، بتقديم كل أشكال الدعم العسكري واللوجستي لإسرائيل، فضلاً عن الغطاء السياسي، بدت، في حال لبنان، مهتمّة بترتيب وقف لإطلاق النار، ولكن بعد دمار مهول ألحقه الجيش الإسرائيلي هناك، وخسائر بشرية فادحة، شملت، في ما شملت، اغتيال قيادات حزب الله، بمن فيهم أمينه العام حسن نصر الله، وأعداد كبيرة من مقاتلي الحزب. كأنّ لسان حال إدارة بايدن يقول: إنّ ما حققته إسرائيل من هذه الحرب كاف، ليُصار إلى وقفها.

هذا ما يبدو في الظاهر، لكن أموراً أخرى يتعيّن الوقوف عندها، خاصة أنّ طبيعة الترتيبات السياسية التي جرى وسيجرى التوافق عليها بشأن مستقبل الوضع الداخلي في لبنان وطبيعة التموضع القادم لحزب الله فيه غير واضحتين بعد، وهما اللتان قد تظهرا ما هو غير ظاهر، عن المنتصر الفعلي، سياسياً، في هذه الحرب، فضلاً عن أنّ الاتفاق جوبه بمعارضة من وزراء متطرّفين في حكومة نتنياهو، الذي ما انفكّ يردد أنّ إسرائيل لن تتوقّف عن توجيه ضربات لحزب الله في حال ظهر أنّه يعيد بناء البنية التحتية العسكرية له، ما يفيد بأننا بصدد هدنة، حتى لو كانت غير محدّدة المدّة، قد تنهار في أي لحظة، وفي هذا يعوّل نتنياهو على مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الذي يمكن أن يتيح مساحة أكبر من حرّية التحرّك الإسرائيلي لا في لبنان وحده، وإنما في غزّة أيضاً، وكذلك، وربما أساساً، في الضفة الغربية المرشحة لضمٍّ منتظر إلى إسرائيل بغطاء "ترامبي".

قال مراقبون سياسيون كثر إن طرفي القتال في لبنان وإسرائيل كانا بحاجة إلى استراحة بعد القتال الضاري الذي استمرّ أسابيع، ليس فقط لأنّ إسرائيل ألحقت ما ألحقت من ضرباتٍ موجعة للبنان، ولحزب الله خاصةً، وإنما أيضاً لأنّ صواريخ الأخير ومُسيّراته جعلت أهدافاً عسكرية إسرائيلية، وكذلك سكان مدن رئيسية في العمق الإسرائيلي، تحت مرماها، وأجبرت ملايين من هؤلاء على البقاء في الملاجئ أياماً وليالي متوالية، إضافة إلى حجم الخسائر الكبير في صفوف الجيش الإسرائيلي بين قتلى وجرحى ومعدّات، ما يعني أنّ تحقيق الهدف المعلن من نتنياهو بتدمير بنية حزب الله والقضاء عليه لا يزال عصيّاً، وإسرائيل ليست في وضع يمكنها من خوض حربٍ طويلة على جبهتين، غزّة ولبنان، في وقتٍ واحد، رغم الدعم الأميركي المقدّم لها، وهذا يفسّر قول نتنياهو إنّه وافق على وقف إطلاق النار مع حزب الله للتفرغ للحرب في غزّة، فرغم مضي أكثر من عام عليها، لم تفلح إسرائيل في إعادة رهائنها المحتجزين فيها، ولا القضاء على أوجه المقاومة المستمرّة ضدها.

ما جرى هدنة هشّة وليس تسوية نهائية للوضع في لبنان. من الصعب الجزم كم ستستمرّ هذه، ولكن الحاكم الرئيسي في ذلك سيكون التطورات السياسية التالية، وليس الميدانية، على الأرض وحدها، وهذا لن يتضح بشكل جلي إلا بعد أن يستقرّ ترامب في البيت الابيض، وتتضح معالم سياسته، لا تجاه الوضع في لبنان ومحيطه القريب في فلسطين وسورية فقط، وإنّما، وربما قبل هذا، تجاه إيران، بوصفها الداعم الأكبر لحزب الله، ولاعباً إقليمياً رئيسياً في المنطقة، لا يمكن تهدئة الوضع المشتعل فيها من دون توافقات معها.

غنيّ عن القول إنّ الموضوع يبقى أكبر من ذلك كله. لن يكون هناك استقرار في المنطقة إن لم تجر تسوية عادلة للقضية الأساسية ولبّ الصراع فيها، أي القضية الفلسطينية، وهي التسوية التي ما انفكّت الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورية أم ديمقراطية، تحول دون بلوغها، كونها الوحيدة القادرة على فرضها على حليفتها إسرائيل.

كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها
حسن مدن
كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها.