نهر السيسي العظيم
هو الآن الأول في الطب، كما كان الأول في كرة القدم "يكفي أن يكون حاضراً في مدرجات التشجيع ليلتهم اللاعبون المصريون غانا وما وراء غانا". هكذا قال أحدهم عن السيسي رجل المستحيل.
هو الأول أيضاً في زيوت الطعام، حسب الإعلان المتكرر في فضائية تعبئ الشعوذة في برامج وتبيعها في سوق الجهل والدجل.
وأخيراً هو الأول في الجيولوجيا ومياه الأنهار، ألم يعلنوا أنه سيفتح نهر النيل على نهر الكونغو لكي يهزم مشروع سد النهضة الإثيوبي بالضربة القاضية؟
هو إذاً الشخص المناسب للزمن المناسب، ففي فترات تتدفق خلالها شلالات الدجل السياسي وتحفر أخاديد الجهل و الانهيار المعرفي، ويعدم العقل والمنطق بالرصاص الحي، وتعلّق القيم على المشانق بأمر الحاكم العسكري، لا ينبغي أن يفكر أحد في ما يقال أو يعلن عنه من إنجازات أسطورية، إلا من عصَم ربك من الاستسلام للركاكة والبلادة.
ولما كانت مصر تعيش مرحلة الرجل الخارق، فمن الطبيعي أن تكون وزارة الصحة آخر من يعلم عن اختراع عسكري جديد بقيادة المشير الملهم، يقضي على الإيدز والتهاب الكبد الوبائي في غمضة عين.. وأن يتصدى جنرال يرتدي الكاكي ليشرح لجمهور أعياه الجهل وأعماه الدجل مزايا الجهاز الأسطورة الذي تجاوز كل ما توصلت إليه العلوم الطبية في العالم.
تفتش عن وزارة الصحة في حلقة الشعوذة العلمية المنصوبة فلا تجد لها وجوداً أو أثراً، وقبل أن تضرب أخماساً في أسداس يقذف إليك موقع "مصر العربية" بتصريح مصدرمسؤول في الإدارة المركزية للصيدلة التابعة لوزارة الصحة، يقول إن الإدارة لم تصدر أية تصريحات للقوات المسلحة بشأن إنتاج دواء جديد لعلاج مرضى الفيروسات الكبدية "سي"، وإنفلونزا الخنازير H1N1، والإيدز.
صيدلي في الإدارة المركزية للصيدلة، تحفّظ على ذكر اسمه، أضاف أنه على الرغم من أن الإدارة المركزية هي القطاع المنوط به إعطاء التصريحات عن مثل هذه الاختراعات، إلا أن كافة العاملين بها لا يعلمون من الذي منح القوات المسلحة هذا التصريح.
اللافت هنا أن أياً من وسائل الإعلام المصرية لم تمتلك الجرأة لمناقشة الاكتشاف العجيب مع أولي الاختصاص من أساطين الطب والصيدلة، وكأن ما يقوله العسكريون منزّه عن كل نقص، لا تشوبه شائبة ولا يقبل النقاش ولا يخضع لمعايير البحث العلمي، باعتباره يصنَّف في نطاق معجزات العلم اللدني، الأقرب للفتوحات منه إلى المعرفة العقلية.
وهنا أيضاً تدفعك نفسك الأمّارة بالتذكّر والمقارنة، إلى استدعاء حفلات السخرية الخليعة من الرئيس المنتخب محمد مرسي ووزير التموين في عصره باسم عودة حين تجاسر وأعلن بالأرقام ارتفاع إنتاجية مصر من القمح، ساعتها ارتدى الجميع مسوح العلماء والمناطقة ووصلوا الليل بالنهار لدحض أرقام القمح المعلنة.
ومن الدجل الصحي إلى الدجل المائي يمضي قارب الأساطير والحكايات الخارقة، فيجري الإعلان عما لم يعرفه الأولون ولن يدركه – بالطبع ــ الآخرون من أنّ رجل المعجزات سيمسح بكفه على وجه النيل العظيم فيصير نهراً جديداً أطول وأوسع، من خلال عناقه مع نهر الكونغو.. على نحو تتوارى معه قصة القذافي مع النهر العظيم خجلاً.
وتلك قصة أخرى أغرب وأعمق ترويها شهادة صحافية مصرية شابة متخصصة في ملف دول حوض النيل غداً إذا كان لنا بقية من عمر.