نظرة على خاصرة إيران الضعيفة

نظرة على خاصرة إيران الضعيفة

20 نوفمبر 2021

مقاتل من طالبان على الحدود الإيرانية الأفغانية (19/10/2021/فرانس برس)

+ الخط -

روح الله الخميني، الرجلُ الذي غيّر التاريخ السياسي الحديث. هذا وصفٌ ينصف جزءا من الأثر الذي تركه الخميني على إيران، لكنّ نظرةَ الخميني تجاوزت حدود بلاده. ثبّتت إيران عقيدتها السياسية في لبنان أولا. امتدت فكرة "الفقيه العام" الذي ينوب عن الإمام الثاني عشر عند الشيعة إلى جنوب لبنان وبقاعه سريعا.
أصبحت الأغلبية من الشيعة في لبنان ترى في قم مرجعها العقائدي الأول. وقُم لا تفصل بين السياسة والدين، لا تنتظر راية المعصوم كي تخرج على "الظلم"، والمظلومية كانت، حتى فترة، ليست بالبعيدة الشعار الأول عند الشيعة الإمامية.
يستمد حزب الله مشروعيته من السماء، وإيران تعلم هذا تماما. تدرك طهران أن ولاء الحزب لها يتفوق على ولائه لنفسه، والدلائل كثيرة. خاض حزب الله حروب إيران في جبهة سورية، وتسلم ملف اليمن منسقا ومحاربا وشارك في المواجهات العسكرية في العراق، ودرّب "الحشد الشعبي" .. لا يأبه حزب الله بتقديم آلاف الشبان في خوض معارك إيران في المنطقة.

غريبةٌ مواقف إيران التي تُبَررُ لجماهيرها بمعمعة الحق والباطل، فطهران كثفت تواصلها الدبلوماسي مع حركة طالبان منذ ما قبل استحواذها على الحكم

الخاصرة الضعيفة لإيران .. يتكرر هذا المصطلح عند الحديث عن أفغانستان خصوصاً. تثبت التطورات السياسية الأخيرة في سورية أن حديقة نظام الأسد ستبقى ملعبا آمنا للإيرانيين، خصوصا مع القضاء على الثورة السورية بمساندة روسيا، كما تعلم إيران أن حزب الله لن يسمح للشارع الشيعي في لبنان أن ينزاح عنها أو يخرج عن أمرها. ولعل المظاهرات الاحتجاجية على نتائج الانتخابات التشريعية أخيرا في العراق خير دليل على رفض الشارع الموالي لإيران خسارة المشروعية التي كانت طهران تبحث عن تثبيتها في العراق.
غريبةٌ هي مواقف إيران التي تُبَررُ لجماهيرها بمعمعة الحق والباطل، فطهران كثفت تواصلها الدبلوماسي مع حركة طالبان منذ ما قبل استحواذ الأخيرة على الحكم في أفغانستان. تُدرك إيران خطورة أفغانستان، ليس لحساسية موقعها الجغرافي فقط، بل أيضا لأن من شبه المستحيل أن تخلق إيران أثرا سياسيا اجتماعيا في أفغانستان تحت حكم "طالبان". جبهةُ الشرق الأفغانية لا تختلف عن جبهة أذربيجان في الشمال.
مناورات "فاتحو خيبر"، التي أطلقتها إيران في اتجاه الحدود الأذربيجانية في الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، بعثت رسائل واضحة إلى إسرائيل التي بدورها زوّدت باكو بأسلحة حديثة، بما في ذلك الطائرات المسيرة. ليست تركيا في معزل عن الترقب الإيراني في أذربيجان أيضا، إذا اتخذت طهران موقفا سلبيا إزاء علاقات أذربيجان وتركيا الواسعة، فقد قدّمت أنقرة مساعدات كبيرة لأذربيجان في حرب ناغورنو كاراباخ، كما روّجت فكرة "دولتين - أمة واحدة".

تحالف عربي مع "طالبان" قد يشكل خطرا كبيرا على إيران. الحركة التي تسيطر على الحكم في أفغانستان أقرب أيديولوجياً إلى العرب من طهران

لم تقدر إيران على "الشماتة" بما وصفه بعضهم الفشل الأميركي في أفغانستان. 900 كلم حدودٌ تربط بين إيران وأفغانستان، لا تعرف إيران على وجه اليقين ما سيحمله المستقبل لها في ظل حكم "طالبان" التي تُدرك أن إيران تعد ممرا لتصدير الحشيش إلى الأسواق الغربية، وهذا رأي كتبه بوبي غوش في موقع بلومبيرغ العام الماضي أيضا.
ناقوس الخطر الأفغاني يدقّ في روسيا والصين، لكنّ صداه يُسمع في إيران أكثر من غيرها بالنظر إلى العداء التاريخي مع حركة طالبان والقرب الجغرافي. وجود "طالبان" في دفة القيادة الأفغانية اليوم يطرح في الأفق أبواب تحالفات جديدة..
صحيح أن إيران تمكّنت من حفظ حلفائها الشيعة وتمكينهم في المنطقة، ووظفتهم في معارك عدّة، لكن الكأس التي تسقيها إيران للدول العربية لعلها اليوم تنقلب عليها، إذ إن تحالفا عربيا مع "طالبان" قد يشكل خطرا كبيرا على إيران، وقد شاء القدر أن الحركة التي تسيطر على الحكم في أفغانستان اليوم هي أقرب أيديولوجياً إلى العرب من طهران.

محمد غملوش
محمد غملوش
إعلامي لبناني، من أسرة تلفزيون العربي