نظرة أولى إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري

كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.
اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري في حماة (18/2/2025/سانا)
نشر موقع رئاسة الجمهورية، في 11 فبراير/ شباط 2025، قرار الرئيس السوري خلال المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، القاضي بتشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني. وبعد التشكيل، خرج أعضاء في اللجنة في مؤتمر صحافي، تحدّثوا فيه للجمهور عن رؤيتهم للعمل فيها، وممّا قاله الناطق باسم اللجنة حسن الدغيم إن الحوار بدأ منذ اليوم الأول للتحرير، وإن الوفود التي كانت تلتقي الرئيس في دمشق، أو وزير الخارجية وبقيّة أعضاء الإدارة في الداخل والخارج، إنما كانت تشارك بهذا الحوار، وإن اللقاءات هذه لم تكن للتعارف وأخذ الصور، بل للنقاش في الراهن السوري وسبل تحسينه ووضع تصوّر واضح للمستقبل. ونقلت الوكالة السورية للأنباء (سانا)، عن الدغيم قوله إن موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني متروك للنقاش مع المواطنين وزيارة المحافظات والرؤى وتقديم أوراق العمل، وعندما تنضج هذه الأوراق سيتم تحديد موعد انطلاقه. وأن اللجنة التحضيرية وطنية مستقلّة هي التي تعيّن رئيسها وتكتب نظامها الداخلي وصلاحياتها، ولن تتدخّل بالمضامين، ومهمتها إدارة تسيير عملية الحوار، وتلمّس هموم المواطنين، وأخذ آرائهم، والتأكّد من تطبيق المعايير في اختيار الشخصيات المشاركة. وأن عدد المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني متروك للنقاش العام بعد التواصل مع المواطنين وممثلّي المحافظات، والأمر متروك للمضامين، بحيث تشمل الخبرات ومختلف الاختصاصات، وأن المؤتمر سيرفع توصيات إلى مقام رئاسة الجمهورية، التي ستعمل بدورها على تنفيذها.
وقال رئيس لجنة الحوار الوطني ماهر علوش، لوكالة سانا، إن السوريين لم يتحاوروا في ما بينهم منذ 75 عاماً، ولم تكن لهم مشاركة فعلية في صنع القرار السياسي وبناء مستقبلهم، و"أن السؤال عن اليوم التالي مصدر قلق دائم للسوريين، حيث حمل الماضي الكثير من الجراح والآلام، أما اليوم فنحن أمام لحظة فارقة لنثبت أن القادم سيكون أكثر إشراقاً وأننا قادرون على تجاوز التحديات وإعادة بناء سورية على أسس صلبة".
أثرت الصراعات المتعدّدة التي دارت في الأرض السورية، خلال السنوات الأربع عشرة المنقضية، قد أثّرت في الهُويَّة الوطنية التي هي في النهاية شعورٌ بالانتماء إلى سورية. أثّرت عوامل كثيرة أيضاً في رؤية السوريين إلى أنفسهم ولبلدهم وللعلاقة بينهم، مكوناتٍ ومجموعاتٍ وتيّاراتٍ سياسيةً وفكريةً مختلفة. من هنا تأتي أهميّة الحوار الوطني السوري، فهو الوسيلة الحقيقية والفعّالة والأكثر أهميّة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي السوري المُمزَّق. من خلال الحوار سيتم التعرّف المتبادل إلى المشاكل العامّة التي تشكّل تحدياتٍ أمام نهوض سورية في العموم، وعلى المشكلات المحلّية التي تواجه مناطق دون غيرها، أو فئات معيّنة من الشعب السوري.
يجب ألّا تقتصر مخرجات المؤتمر على التوصيات، بل لا بدّ أن تكون لها صفة الإلزام
تتحدّد طبيعة المؤتمر من خلال نصّ التكليف الأساس في إنشاء لجنته التحضيرية، لكنّ هذه اللجنة قادرة على تكييف طبيعة المؤتمر لتجعله مؤتمراً وطنياً تأسيسياً للعهد السوري الجديد، وهي بذلك تنقل رغبة الغالبية العظمى من السوريين والسوريات الذين أقصوا من المشاركة بالشأن العام منذ عام 1958، عندما حُلّت الأحزاب وقُيّدت الصحف وهيئات المجتمع المدني، الأمر الذي عزّزه انقلابيو "البعث" عام 1963. يمكن للجنة طبعاً أن تُحجِّم المؤتمر ليكون شكلياً، لكنّ هذا لن يكون في صالح سورية وأهلها، فالسوريون والسوريات بحاجة إلى الحوار الحقيقي، الذي يُعيد لهم حقوقهم بصناعة حاضرهم ومستقبلهم، وبغير ذلك سنكون أمام إعادة إنتاج المنظومة المنغلقة ذاتها التي ثرنا عليها، ودفعنا أثماناً باهظة لإسقاطها.
مهمة اللجنة ليست هيّنة، لكنّ وضع معايير لاختيار الموضوعات والمشاركين وأعدادهم وصفاتهم ونسبهم التمثيلية، هي التي ستساهم في إنجاح عملها. الاختيار صعبٌ جدّاً، خاصّة إذا أرادت اللجنة أن تبتعد عن المحاصصات القومية والدينية والطائفية التي كان يعتمدها النظام البائد. ويرى كاتب هذه السطور أن معيار الكفاءة الشخصية يجب أن يكون من بين أكثر المعايير التي يجب اعتمادها أهميةً، فالتخصّص من جهة أولى، والحضور الوازن والمشاركة في الشأن العام من جهة ثانية، والقبول المجتمعي من جهة ثالثة، والإبداع في الطروحات من جهة رابعة، والجرأة في الطرح وتحمّل المسؤولية من جهة خامسة، ونظافة اليد من جهة سادسة، والنزاهة السياسية والأخلاقية من جهة سابعة... كلّها تفصيلات مهمّة يمكن وضعها ضمن معيار الكفاءة الشخصية. اعتماد مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء من الكفاءات المختارة سيكون سابقة سوريّةً تسجّل لهذه اللجنة، ومبرّرات هذه المناصفة كثيرة، فكثيراتٌ من النساء أتيحت لهنّ فرص تطوير الذات بشكل كبير خلال أعوام الثورة، ولدينا كثير من الكفاءات بينهن. يجب أن يكون لدى اللجنة اعتبار للموازنة بين المشاركين والمشاركات في المؤتمر من الداخل والخارج، فكلّ فئة من هؤلاء لديها ميزة لا تتوفّر لدى الفئة الثانية، فجماعة الداخل أقرب إلى نبض الناس ومعاناتهم، وأقدر على فهم السياق الذي أوصل البلاد إلى هذا المستوى، خاصّة في ما يتعلّق بالنواحي الاجتماعية، بينما أهل الخارج أتيحت لهم فرص الاحتكاك والتعلّم والاطلاع على تجارب الشعوب المختلفة أكثر من غيرهم.
يجب ألّا تقتصر مخرجات المؤتمر على التوصيات، بل لا بدّ أن تكون لها صفة الإلزام، أو بالحدّ الأدنى بعضها، التي تتعلّق بالخطوط العريضة للعهد الجديد، خاصّة في ما يمسّ شكل بناء الدولة ونظام الحكم، والتشاركية والتمثيل، وفصل السلطات، ومشاركة النساء والشباب.


كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.