نحو استراتيجية إعلامية فلسطينية مستقلة

نحو استراتيجية إعلامية فلسطينية مستقلة

14 فبراير 2022

نشطاء في الخليل يحتجون ضد رقابة فيسبوك على المحتوى الفلسطيني (24/11/2021/فرانس برس)

+ الخط -

اتصلت بي مخرجة فلسطينية معروفة، زارت حي الشيخ جرّاح في القدس المحتلة، وحاولت أن تحثني على ضرورة إنشاء صحيفة فلسطينية باللغة الإنكليزية. وقد ذكّرتني بما كنا نقوم به، خصوصا إبّان الانتفاضة الأولى مع الإعلام الغربي، ومن خلال صحيفة الفجر الأسبوعية الناطقة بالإنكليزية التي كنت محرّرها.
صحيحٌ أن السلطات الإسرائيلية بأذرعها المباشرة كافة مثل الجيش، وغير المباشرة مثل المستوطنين، تقوم يوميا وعلى مدار الساعة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني، وتمارس الفصل العنصري بصورة مباشرة من دون أي خجل أو تردّد. وصحيحٌ أن هناك تعاطفا عالميا مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في أوساط هامة، سيما بين الجيل الجديد وشباب وشابات عديدين من المجموعات التقدمية، ومن الأميركان الأفريقيين، ومن ذوي الخلفية اليهودية في أوروبا وأميركا وأستراليا.
على الرغم من ذلك، لا أعتقد أننا، نحن الفلسطينيين، في حاجة إلى صحيفة فلسطينية جديدة بلغات أجنبية، بل بحاجة إلى استراتيجية إعلامية وطنية، تنقل وتعلق على كل ما يحدث، وتنقد الأخبار المضللة والكاذبة الصادرة عن جيشٍ من المؤيدين والعاملين في منظومة الدفاع عن إسرائيل وجرائمها. يجب أن يكون لتلك الخطة إمكانية الاستفادة من القدرات الفردية والجماعية والمنابر المتوفرة لإيصال تلك الأهداف الوطنية. ويجب أن تستغل الاستراتيجية الوطنية القدرات والخبرات الموجودة على الأرض في فلسطين وفي الفضاء العالمي، وتوجيهها في خدمة القضية. ولكن من دون أن تسيطر عليها وتحولها إلى الدعاية الرخيصة لهذا الزعيم أو ذاك الفصيل.

نحن بحاجةٍ إلى الاستفادة من السلطة الوطنية ورموزها لتقوية الاستراتيجية الإعلامية، من دون أن نكون مجبرين على الموافقة على كل ما تقوم به

المطلوب استراتيجية تعمل مع كل الأطراف الحية، بما فيها الفصائل الناشطة والسلطة الوطنية. ولكن بهدف الخدمة العامة للقضية الفلسطينية، والأهداف المتفق عليها في دعم المشروع الوطني الفلسطيني. أي استراتيجية ناجعة يجب أن تحدّد بوضوح الأهداف والمخرجات وأدوات العمل، وتضع معايير واضحة للعمل، تعزّز الإيجابيات من دون الخجل من الاعتراف بالأخطاء والإرهاصات. ومن أجل أن تنجح الاستراتيجية الوطنية الإعلامية يجب أن تكون صادقةً مع الجمهور العام من دون أن تكون معادية للعناصر والمكتسبات الوطنية. قد يتطلب ذلك ابتعادا جزئيا من القيادة الحالية، من دون أن يشكل هجوما ونقدا لاذعا، فللأمور الداخلية الفلسطينية منصّات وأطر، ولكن يجب عدم الدخول في عملية جلد الذات، في تطبيق استراتيجية وطنية إعلامية، فنحن بحاجةٍ إلى الاستفادة من السلطة الوطنية ورموزها لتقوية الاستراتيجية الإعلامية، من دون أن نكون مجبرين على الموافقة على كل ما تقوم به. وقد يعتبر بعضهم أن إيجاد مثل هذه المعادلة شبه مستحيل، ولكن لو نظرنا إلى أي حملة إعلامية ناجحة، لرأينا أن هناك إمكانية لتوزيع الأدوار وتناغمها، بهدف المصلحة العامة من دون أن تكون كل المواقف والمخرجات متطابقة.
كما تتطلب أي خطة استراتيجية وطنية ضرورة تحديد أهداف واضحة المعالم، والابتعاد عن الأمور التي تسبّب ضررا يكون أحيانا قاتلا للعملية الوطنية، فمثلا هناك حاجة للحديث لفئاتٍ غير متفقة معنا، لتغييرها عن مسارها، كان ذلك في أميركا أو في إسرائيل. وهذا يتطلب حنكة في التعامل مع تلك الجهات، بهدف إقناعهم بعدالة قضيتنا وإنسانيتها، من دون القيام بما يمكن أن يبعدهم ويغلق الباب أمامهم. قد يعد بعض المؤدلجين ذلك تنازلا وتعاطيا مع تلك الفئات. ولكن إذا كان ذلك ضمن سياسة واستراتيجية متفقا عليها فقد توفر نتائج مهمة، يمكن البناء عليها.

الظرف مناسب للخروج باستراتيجية وطنية لاستخدام سلاح الإعلام، وتوحيد بقدر الإمكان الأصوات الوطنية لخدمة القضية

يتعلق السؤال الكبير في هذا المجال بمن سيضع تلك الاستراتيجية وينفذها، خصوصا إذا ما اتفقنا على أن القيادة الفلسطينية الحالية غير مؤهلة وغير قادرة على هذا العمل الهام. قد يتطلب الأمر جهدا مؤسساتيا من أفراد أو جهات ذات مصداقية وقبولا لدى أوسع شريحة ممكنة. قد يكون مستحيلا إيجاد أي جهةٍ تحظى بإجماع في ظل الانقسام العمودي في الحركة الوطنية الفلسطينية. ولكن من الضروري البحث عن الحد الأدنى من مؤيدي العمل المشترك لفئاتٍ غير حكومية ذات صلة وقبول من الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية وغيرها.
يأتي تراجع العمل الوطني ودور القيادة الفلسطينية الحالي في وقت يزداد بصورة كبيرة التعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني، ما يعني أن الظرف مناسب للخروج بهذه الاستراتيجية الوطنية لاستخدام سلاح الإعلام، وتوحيد بقدر الإمكان الأصوات الوطنية لخدمة القضية بشكل ناجح وفعال، من دون أن يكون جزءا من الأبواق الفصائلية الضيقة. وأي استراتيجية إعلامية وطنية تحتاج الدعم المادي أيضا، وهذه فرصة لرجال وسيدات الأعمال وذوي القدرات المالية أن تتكاتف لدعم خطة مدروسة توفر إمكانية دعم الصوت الفلسطيني المؤيد للقضية الفلسطينية، وإضعاف الأصوات المعادية من مؤيدي المحتل. الفرصة الآن فريدة، فهل من أفراد أو جهات ذات القدرة والرغبة بحمل تلك المهمة؟