موسم الحج الروسي إلى أوكرانيا

موسم الحج الروسي إلى أوكرانيا

10 ابريل 2021
+ الخط -

من الطبيعي أن يعمد مؤرّخون إلى تفنيد نقاط الارتباط والانفكاك بين الاتحاد السوفييتي وروسيا، بدءاً من طبيعة النظامين السياسيين، وإفرازاتهما الاقتصادية والاجتماعية، وفي العلاقات الداخلية والخارجية. لكن المؤرّخين يدركون أيضاً أن التشابه كبير بين عقلية الزعماء السوفييت، باستثناء ميخائيل غورباتشيف، وعقلية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد تسعينيات انتقالية بقيادة بوريس يلتسين، ونابع من خلفية متراكمة من حسّ السيطرة والقوة والتمدّد الروسي. وإذا كانت الشيوعية ونظام السوق الخاص بها قوة دافعة لإنشاء تكتل سوفييتي يضمّ 15 دولة، إلا أن الأوليغارشية الروسية الحالية لا تتمايز عنها بشيء، سوى باختلاف التكتيكات في التعامل مع دول الجوار، بعد استقلالها عن موسكو في مطلع التسعينيات. كان الاتحاد السوفييتي مقنعاً في نشر الأيديولوجية من فلاديفوستوك إلى ألمانيا الشرقية، أما روسيا فتعزّز الحس القومي لدى الأقليات الروسية في الدول السوفييتية السابقة، لتبرير تدخلها العسكري بحجة "حمايتهم"، كما حصل في جورجيا عام 2008، وفي شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014.

لذلك، لا يمكن فصل مجريات التوتر الجديد في أوكرانيا عن هذه النزعة الروسية، وإن كانت خطوط الغاز أولوية. ولا يُمكن الحديث عن "عفوية" أو "رد فعل" في السلوك الروسي، فكي ترى الفيديوهات المنتشرة في مواقع أوكرانية وروسية، عن زحف الدبابات الروسية من كيان كراسنودار إلى شبه جزيرة القرم في الأسابيع الماضية، يجب العودة إلى الوراء بضع سنوات. في شتاء وربيع عامي 2013 و2014، وإثر انتفاضة ميدان كييف ضد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، المتحدّر من جذور روسية وبولندية وبيلاروسية، والموالي بطبيعة الحال لروسيا، ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم لها. وعللت ذلك بتنظيم استفتاء شعبي في الإقليم، طالب فيه سكانه، وهم بغالبيتهم الساحقة من جذور روسية، بالانضمام إلى روسيا. وبعد إتمامها السيطرة العسكرية والإدارية على القرم، باشرت موسكو بناء جسر يربط بين كراسنودار وشبه جزيرة القرم، عابراً مضيق كيرتش، الرابط بين البحر الأسود وبحر أزوف المتفرّع عنه. وسمته لاحقاً "جسر القرم". وفي أواخر عام 2019، قاد بوتين أول شاحنةٍ على الجسر، إيذاناً بتدشينه وبدء العمل عليه. وبعد عامين، عبرت الدبابات الروسية الجسر، وأعلنته "منطقة عسكرية". الأمر مشابه تماماً لطريق بدأ السوفييت بشقه عام 1978 باتجاه أفغانستان، وانتهى في أواخر عام 1979، عشية اجتياح كابول.

في موازاة ذلك، كان بوتين يكرّس نفسه قيصراً روسياً، مدعوماً بتعديلاتٍ دستوريةٍ تتيح له البقاء حتى عام 2036، بل يستعد لتكريس ذلك في الانتخابات التشريعية المقرّرة في سبتمبر/ أيلول المقبل، للسيطرة على الدوما من جهة، وعلى الأقاليم التي أظهرت تمرّداً طفيفاً من جهة أخرى، سواء في أقصى الشرق الروسي أو في موسكو بالذات. لا يبدو الطريق وردياً بالنسبة له انتخابياً في الداخل، بفعل تراكم العقوبات الغربية عليه، وبروز جيل روسي يجد نفسه أقرب إلى أوروبا من أي وقتٍ مضى. بالتالي، يبدأ السلاح الأفضل لضمان الفوز الأكيد من إحياء القومية الروسية مجدّداً، والتذكير بأن الروس بدأوا في كييف منذ نحو عشرة قرون، قبل التوسع شرقاً نحو روسيا الحالية، وأن التمدّد نحو أوكرانيا ليس غزواً، بل حق طبيعي للروس. وإذا كان بوتين قد احتاج إلى حربين في جورجيا وشبه جزيرة القرم لرفع شعبيته وإخماد الأصوات المندّدة بالتردّي الاقتصادي، فإن الوضع الحالي، المعطوف على تراجع اقتصادي عالمي، لا في روسيا فحسب، وعلى تفشي وباء كورونا، على الرغم من مسارعة الروس إلى اختراع لقاح "سبوتنيك في"، فضلاً عن اعتقال أبرز معارض روسي، ألكسي نافالني، سيضع بوتين في زاوية حرجة في سبتمبر/ أيلول المقبل. بالتالي، فإن قرع أبواب أوكرانيا، بحجة مواجهة الحلف الأطلسي، سيكون حلاً نموذجياً، لكنه محفوفٌ بالمخاطر، لأن لا أحد يعرف أين تنتهي حدود كل حرب.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".