مواجهة العنتيل

مواجهة العنتيل

12 أكتوبر 2020

(هاني حوراني)

+ الخط -

أوقفت السلطات المصرية "عنتيل" الجيزة الذي أقام علاقات جنسية مع عشرات النساء، وصوّرهن في فيديوهات عُثر منها على 58 مقطعا في هاتفه المحمول. ظهر وصف "عنتيل" في مصر للمرة الأولى قبل سنوات قليلة، عندما عاشر مدرّب في أحد الأندية في مدينة المحلة (شمالي القاهرة) سيداتٍ من عضوات النادي، ووثق تلك العلاقات صوتاً وصورة بالفيديو. ومع انتشار تلك الفيديوهات، أطلق عليه "عنتيل المحلّة" لكثرة النساء اللاتي كان يلتقيهن لممارسة الجنس في غرفته في النادي. ولم يكن الوصف مرتبطاً فقط بالقوة الجسدية، وإنما أيضاً لجرأة الرجل على إقامة علاقات مع سيداتٍ اتضح أن أزواج عدد منهن ضباط شرطة وقضاة وذوو مكانة، وهي جرأة تثير الدهشة في مجتمع مدينة صغيرة في محافظة ريفية الطابع.
للوهلة الأولى، يبدو انتشار "العناتيل" في المجتمع المصري مؤشّراً إلى تدهور مستوى الأخلاق وتفشّي الإنحراف الجنسي بين المصريين. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، ولا تقتصر أسبابه على التردّي الأخلاقي، بل تتداخل فيها جوانب اجتماعية وسياسية واقتصادية. ليس المسؤولون عنها مرتكبي تلك الممارسات وحدهم، فلابد أن هناك أسباباً أخرى، إلى جانب التفكّك الأسري أو العوز الاقتصادي، تدفع أي سيدة لخيانة زوجها، أو فتاة للهروب من منزل أهلها، أو حتى احتراف الدعارة، فحالة الإنفلات الجنسي تتسلل داخل أوصال المجتمع المصري في طمأنينة، بفعل تراجع الإنضباط العام وانتشار المغريات وانحسار التمسّك الرسمي والمجتمعي بحد أدنى من الحشمة والآداب العامة. سواء في المظهر، أي الملبس والمظهر العام، أو في السلوك الفعلي، خصوصاً لفئة الشباب من الجنسين، فحالات التحرّش الجماعي وقعت مرّات عدة في الأعياد وسط القاهرة. كانت بدايتها قبل سنوات أمام سينما تعرض فيلماً لراقصة شهيرة معروفةٍ بخلاعة ما تقوم به من أعمال وابتذاله. وبعد أن مرّ الموضوع أول مرة من دون عقاب رادع لأي طرف، تكرّر الأمر أكثر من مرة، من دون تحريض من عمل فني ما أو اقتصار على مكانٍ محدّد.
يمثل غياب الردع العام والعقاب الصارم على تلك الجرائم عنصراً جوهرياً في تجرؤ أفراد المجتمع على التمادي في تلك النوعية من الإنتهاكات، وابتكار أشكالٍ منها جديدة. والدليل على ذلك أن ظهور "عنتيل المحلة" الذي كان الأول من نوعه جاء بعد تكرار حالات التحرّش الجماعي. وعلى الرغم من أنه خضع لمحاكمة وعوقب بالحبس، إلا أن المحاكمة جرت وسط تكتّم شديد مراعاةً لحرج الأشخاص المهمين، أزواج السيدات شريكات "العنتيل".
في العامين الماضيين، شن الإعلام وأنصار حرية المرأة وتمكينها من "الفيمينست" حملة شعواء تطالب بإعدام المتحرّش، وتم بالفعل تغليظ العقوبات على التحرّش بأي شكل، بما فيه التحرّش اللفظي. في المقابل، لم ينتفض أحدٌ لجرائم الزنا الآخذة في الإنتشار داخل نسيج المجتمع، بما في ذلك بين المحارم، فقد توفي شابٌّ، وهو يقفز من منزل خالته، بعد أن ضبطه ابنها وهو يعاشرها. وكان "عنتيل الجيزة" يستقبل السيدات في مسكنٍ متواضع في ضاحية ريفية. ما يعني أنها بصدد مزيد من الانتشار بين طبقات وأماكن مختلفة.
لن تختفي ظاهرة "العنتيل" من مصر، ما دام الإصرار على تجاهل الأمر والتعامي عنه، وتصنيفه حالاتٍ فردية. وعلى الدولة والمجتمع، التحرّك لاستعادة حدوده الأخلاقية المتوارثة، وإحياء آداب التعامل والقواعد التقليدية المحافظة في العلاقات بين أفراده. وفي ظل موجة التحرّر ومواكبة العصر، لا يمكن تحقيق ذلك إلا بتوفر الردع الكافي والفعال، ممثلاً في قوانين محايدة وفعالة وقابلة للتطبيق، وأداة تنفيذية محايدة لا تحابي أصحاب الحظوة أو السطوة ولا تستثنيهم، وتوجه مجتمعي عام همّه استعادة قيم الشرف والكرامة والأخلاق، أكثر مما تهمّه سلامة المظهر وتجنّب الحرج والفضيحة، فمنع الفضيحة يكون بالقضاء على الظاهرة من جذورها، وليس بالتكتّم عليها.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.